كان العروسان مغرمان بشراء الأوانى الفخرية الثمينة والأثرية. فى احدى رحلتهما إلى أوروبا ، ذهبا إلى متجر خاص بالأثريات. لفت نظر العروس إناء فخارى ثمين موضوع فى إحدى زوايا المتجر وكان حوله زينة جذابة. إنطلقت العروس إليه وأمسكت به فى إعجاب.
نادت عريسها وهى تقول: "لم أرى فى حياتى مثل هذا الجمال الرائع. يا لصانعه من فنان رائع.
صمت الإناء قليلاً ثم قال لها: "ألا تعرفين أنى كنت حفنة من تراب، لو لمستينى لغسلت يديك، إذ كنت أجعلهم متسختين. ولكن أمسك بى سيدى ووضع على ماء وصار يعجننى، كنت أصرخ: "أتركنى على الأرض، لماذا تعجننى بهذا العنف؟ ماذا فعلت لك؟!".
نظر إلى سيدى وهو يبتسم قائلاً: "ليس بعد"!
شعرت بمرارة وقلت: "ماذا يفعل بى بعد؟". وضعنى فى دولاب الفخار، وصار يحركه بقوة، شعرت كأن الأرض كلها تدور حولى. وصرت أصرخ: كفى، كفى، فإنى أشعر بدوار شديد. إنى أموت. ارحمنى".
هز سيدى رأسه وهو يبتسم ويقول: "ليس بعد!".
أمسك بى وصار يتأمل فىّ ، وإذ به يضعنى فى الفرن، كانت الحرارة مرتفعة للغاية، لم أختبر مثلها قط. قلت له: "لماذا تحرقنى بالنار؟ ماذا فعلت بك لتقتلنى. يا لك من قاسى القلب!". صرخت: "افتح لى باب الفرن. كفى". بعد فترة فتح الباب ورأيت على وجهه ابتسامة وهو يقول: "ليس بعد!".
حملنى من الفرن ووضعنى على رف، فتنسمت الهواء، وبدأت الحرارة تزول. أمسك بى من جديد وإذ به يضرب بالفرشاة ليرسم علىّ أشكالاً جميلة، لكن رائحة الألوان صعبة للغاية. أحسست بحالة قىء شديد. قلت له: "كفى. كفى. إنى لا أحتمل رائحة الألوان".
أما هوفهز رأسه وقال: "ليس بعد!".
كدت أموت وهو يمسك بى ليضعنى ثانية فى الفرن ليثبت الألوان ويغير من طبيعتى. كانت حرارة الفرن مضاعفة. توسلت إليه ألا يضعنى فيها، لكنه أصر. كنت أتطلع إليه وأنا أبكى.
أما هو فكان يرد: "ليس بعد!".
فتح الباب وحملنى من الفرن، ووضعنى على الرف حتى أبرد. بعد قليل قدم لى مرآة وقال لى: "يا حفنة التراب المتألمة انظرى!" دهشت حين رأيت نفسى فى هذا الجمال الباهر. قلت له: " إنى لست أنا! إنى لست حفنة التراب المداسة بالأقدام".
قال لى: "هذا مافعلته بك مدرسة الألم".
سيدتى العروس، لا تخافى من الألم، فإن سيدك يدخل معك فى طريق الألام. لو تركتك بدون أن يعجنك تصيرين تراباً بلا قيمة. وإن لم يحملك إلى دولابه الفخارى، تصيرين قطعة طين بلا شكل. إن لم يدخل بك إلى الفرن تجفين وتتشققين. إن لم يلق بالألوان برائحتها الصعبة لا تحملين صوراً جميلة. إن لم تدخلى الفرن ثانية ما تستحقين أن تكونى فى مركز رائع محوطة بالمجد. لتصرخى معى قائلة: "مرحباً بمدرسة الألم، مرحباً بمدرسة الأمجاد الأبدية".