بحث مخصص

2008-10-01

العذراء و هارون الرشيد

فى زمان خلافة هارون الرشيد حكم مصر والى ظالم إضطهد المسيحيين وأذاقهم ألوان العذاب، وأمر بهدم الكنائس. فأرسل قواداً من أعوانه لكل مكان ومعهم أومر مشددة من الخليفة بهدم كل كنيسة فى طريقهم، واستمروا على هذه الحال ينتقلون من بلد لأخرى حتى وصلوا مدينة تسمى أتريب، وكان بها كنيسة على إسم السيدة العذراء، وكانت مبنية بناء فاخر، وبها أعمدة من الرخام، ومغشاة بالذهب – وما أن شعر كاهن الكنيسة بوصولهم حتى دخل الكنيسة وصلى صلاة حارة بدموع، وطلب من السيدة العذراء صاحبة البيعة أن تعينه فى تلك الساعة الرهيبة. ثم خرج إلى الأمير وأتى به إلى الكنيسة وأراه ما بها من نفائس، وذهب وأراه أيضاً أيقونة السيدة العذراء وقال للأمير: إمهلنى ثلاثة أيام حتى آتيك بأمر الخليفة الرشيد بإعفاء هذه البيعة من الهدم. فضحك الأمير قائلاً : إن الخليفة فى بغداد، وبيننا وبينه سفر لا يقل عن شهرين، فكيف تقول أنت إنك تأتى منه بأمر بعد ثلاثة ايام؟ هذا ليس بمعقول. فقال الكاهن: إنى بكل تأكيد سأحصل على هذا الأمر، حتى ولو كان الخليفة أبعد من هذه ، وإنى فى هذه الثلاثة أيام ملزم بنفقات إقامتك أنت ومن معك. وأخرج الكاهن من جيبه 300 دينار وسلمها للأمير. وبعد إلحاح شديد رأى الأمير أن يمهل الكاهن هذه الأيام الثلاثة قائلاً له: إعلم تماماً إنه لابد من أن تهدم هذه الكنيسة بعد ثلاثة أيام. فأجاب الكاهن: إن لى الأمل العظيم فى أن السيدة العذراء التى حلت الحديد وخلصت متياس قادرة على أن تمنع عنا تهديدك هذا وهى تحامى عن بيعتها.ثم هرع الكاهن إلى حيث أيقونة السيدة العذراء وجثا أمامها وصلى بحرارة قائلاً : غيثينا أيتها الطاهرة ولا تجعلى أعداءنا يشمتون فينا، وإن كنا قد أخطأنا فسامحينا. وإننا قد ألقينا هذا العبء الثقيل عليكِ فإسألى ابنك عنا. فهذا هو الوقت الذى تظهر فيه قوتك العظيمة، فإسرعى يا سيدتى لنجدتنا، وكيف يمكن أن نصير عاراً بين البشر وأنتِ معنا يا أم الله! وهكذا أخذ الكاهن يصلى ودموعه تسيل وهو لم يذق طعاماً حتى خارت قواه وهو مازال متمسكاً بإيمانه ورجائه.فنطقت العذراء من الأيقونة قائلة: أنا العذراء المعينة لكم، لا تخافوا من تهديد الأمير فقد عملت لك كل ما طلبت وسوف يأتيه الأمر بالعفو عن هذه البيعة من رئيسه الأعلى فى الحال.
وفى أثناء صلاة الكاهن وكان ليلاً، كان الخليفة نائماً فى بغداد، فإذ به يرى نوراً ساطعاً فإستيقظ من نومه مرتعداً فرأى العذراء والدة القدير، فإضطرب لساعته وفزع جداً من منظرها المهيب فقالت له: أنا مريم أم يسوع الذى فعلت معه كل هذه الشرور ودبرت حيلك وأمرت بهدم الكنائس، فكيف تنام هادىء البال وبسببك أصبح المسيحيون فى كل مكان فى اشقى حال؟ أنا العذراء أم الإله الذى بأرادته أعطاك هذه السلطان، فإرجع وتب عن أعمالك وأخش الله وإلا سيكون لك عذاب أليم وتقاسى شداد مٌرة، وأتعاباً كثيرة حتى تشتهى موتك. فإرتجف الخليفة وأجاب قائلاً: كل ما تريدينه يا مولاتى أفعله لكِ، ولا تؤذيننى يا سيدتى. فقالت: أريد أن تكتب حالاً مرسوماً بخط يدك وتختمه بخاتمك وترسله لأعوانك الذين فى إتريب ليصلهم اليوم ويمنعهم من تخريب الكنائس والإعتداء على المسيحيين. فقال لها الخليفة: وكيف يصل اليوم، هذا لا يمكن لا بالبحر ولا بالبر. فأجابته: إكتب أنت المرسوم، وبعون الله سوف يكون فى يد الأمير قبل أن يقوم من نومه. فإرتعد الخليفة من هذا السلطان الذى كانت تكلمه به، وكتب بيده مرسوماً إلى الأمير الذى فى أتريب:"أنا الخليفة هارون الرشيد أكتب بيدى هذا المرسوم ، إسرعوا بالحضور حالاً ولا تتعرضوا للمسيحيين فى هدم كنائسهم ".ثم ختم خطابه وبهت متحيراً ماذا سيحدث بعد ذلك. وإذ بطائر له منقار أتى وخطف الخطاب من يده وطار بسرعة ثم إختفت العذراء من أمامه، وبعد برهة وجيزة كان الطائر فى مدينة أتريب وجاء حيث كان الأمير جالساً ورمى الخطاب عليه وطار. فتح الأمير الخطاب وهو مذهول، وإذا به من الرشيد يأمره بضرورة العودة فى الحال. قرأه مرة وأعاد قراءته، ثم أمعن النظر فى الختم وفى خط الرسالة فإذا به كله من الرشيد، فتعجب وتحير ولكنه ارتاب، فأرسل للكاهن ليحضر بسرعة وقال له: إخبرنى ماذا فعلت، ومن خلصك هذا الخلاص العجيب وأتى لك بهذا العفو الشامل؟ حينئذ أجابه الكاهن بملء الإيمان وبقلب مملوء إبتهاجاً: إن هذا ليس عمل إنسان منظور، بل إنه فعل أم النور والدة الإله التى تسهل لنا كل طريق، وتحمل عنا كل ثقل. ثم قص عليه الكاهن صلاته واستجابتها من الأيقونة فبهت الأمير وآمن بالسيد المسيح، ودخل إلى الكنيسة وقبَل أيقونة السيدة العذراء و تضرع إليها لكى تسمع له هو أيضاً وتحرسه فى سفره. ثم أخرج الأمير الثلثمائة دينار التى أعطاها له الكاهن وردها له، وأعطاه عليها مئة دينار أخرى كتذكار. ثم قام مسرعاً وترك الكنائس وذهب إلى بغداد حيث قابل الخليفة فوجده متحيراً. وبعد تبادل السلام سأل الأمير فوراً: يا مولانا جاءتنا منك رسالة فهل هذا صحيح أم تزوير؟ قال له الخليفة: إن الرسالة منى، ولكن إعلمنى سريعاً عما جرى لك. فقص الأمير على الخليفة كل ما رآه فى مدينة أتريب، وقصة الكاهن والخطاب والطائر. فقام الخليفة فى الحال وقال: سوف نبنى كنيسة للمسيحيين على اسم السيدة العذراء لتكون عونى فى حياتى وتخلصنى من كل الشرور المحيطة بى، وتكون هذه الكنيسة أفخر من سائر المعابد التى رأيناها فى حياتنا. وفعلا بدأوا بإجتهاد فى بناء الكنيسة ووضعوا بها نفائس كثيرة وأيضاً أيقونة للسيدة العذراء. وهناك فى تلك البيعة الجديدة إجتمع المسيحيون المشتتون.. إجتمع المسيحيون المعذبون المضطهدون للصلاة بفرح وتهليل بعد أن كانوا فى زوايا الأرض وكهوفها ومغاورها مختبئين خائفين من هول ما وقع عليهم من العذاب. وهكذا بفضل شفاعة العذراء إنتصرت المسيحية وارتفعت راية الصليب وبطلت مشورة المعاندين

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers