
وفى أثناء صلاة الكاهن وكان ليلاً، كان الخليفة نائماً فى بغداد، فإذ به يرى نوراً ساطعاً فإستيقظ من نومه مرتعداً فرأى العذراء والدة القدير، فإضطرب لساعته وفزع جداً من منظرها المهيب فقالت له: أنا مريم أم يسوع الذى فعلت معه كل هذه الشرور ودبرت حيلك وأمرت بهدم الكنائس، فكيف تنام هادىء البال وبسببك أصبح المسيحيون فى كل مكان فى اشقى حال؟ أنا العذراء أم الإله الذى بأرادته أعطاك هذه السلطان، فإرجع وتب عن أعمالك وأخش الله وإلا سيكون لك عذاب أليم وتقاسى شداد مٌرة، وأتعاباً كثيرة حتى تشتهى موتك. فإرتجف الخليفة وأجاب قائلاً: كل ما تريدينه يا مولاتى أفعله لكِ، ولا تؤذيننى يا سيدتى. فقالت: أريد أن تكتب حالاً مرسوماً بخط يدك وتختمه بخاتمك وترسله لأعوانك الذين فى إتريب ليصلهم اليوم ويمنعهم من تخريب الكنائس والإعتداء على المسيحيين. فقال لها الخليفة: وكيف يصل اليوم، هذا لا يمكن لا بالبحر ولا بالبر. فأجابته: إكتب أنت المرسوم، وبعون الله سوف يكون فى يد الأمير قبل أن يقوم من نومه. فإرتعد الخليفة من هذا السلطان الذى كانت تكلمه به، وكتب بيده مرسوماً إلى الأمير الذى فى أتريب:"أنا الخليفة هارون الرشيد أكتب بيدى هذا المرسوم ، إسرعوا بالحضور حالاً ولا تتعرضوا للمسيحيين فى هدم كنائسهم ".ثم ختم خطابه وبهت متحيراً ماذا سيحدث بعد ذلك. وإذ بطائر له منقار أتى وخطف الخطاب من يده وطار بسرعة ثم إختفت العذراء من أمامه، وبعد برهة وجيزة كان الطائر فى مدينة أتريب وجاء حيث كان الأمير جالساً ورمى الخطاب عليه وطار. فتح الأمير الخطاب وهو مذهول، وإذا به من الرشيد يأمره بضرورة العودة فى الحال. قرأه مرة وأعاد قراءته، ثم أمعن النظر فى الختم وفى خط الرسالة فإذا به كله من الرشيد، فتعجب وتحير ولكنه ارتاب، فأرسل للكاهن ليحضر بسرعة وقال له: إخبرنى ماذا فعلت، ومن خلصك هذا الخلاص العجيب وأتى لك بهذا العفو الشامل؟ حينئذ أجابه الكاهن بملء الإيمان وبقلب مملوء إبتهاجاً: إن هذا ليس عمل إنسان منظور، بل إنه فعل أم النور والدة الإله التى تسهل لنا كل طريق، وتحمل عنا كل ثقل. ثم قص عليه الكاهن صلاته واستجابتها من الأيقونة فبهت الأمير وآمن بالسيد المسيح، ودخل إلى الكنيسة وقبَل أيقونة السيدة العذراء و تضرع إليها لكى تسمع له هو أيضاً وتحرسه فى سفره. ثم أخرج الأمير الثلثمائة دينار التى أعطاها له الكاهن وردها له، وأعطاه عليها مئة دينار أخرى كتذكار. ثم قام مسرعاً وترك الكنائس وذهب إلى بغداد حيث قابل الخليفة فوجده متحيراً. وبعد تبادل السلام سأل الأمير فوراً: يا مولانا جاءتنا منك رسالة فهل هذا صحيح أم تزوير؟ قال له الخليفة: إن الرسالة منى، ولكن إعلمنى سريعاً عما جرى لك. فقص الأمير على الخليفة كل ما رآه فى مدينة أتريب، وقصة الكاهن والخطاب والطائر. فقام الخليفة فى الحال وقال: سوف نبنى كنيسة للمسيحيين على اسم السيدة العذراء لتكون عونى فى حياتى وتخلصنى من كل الشرور المحيطة بى، وتكون هذه الكنيسة أفخر من سائر المعابد التى رأيناها فى حياتنا. وفعلا بدأوا بإجتهاد فى بناء الكنيسة ووضعوا بها نفائس كثيرة وأيضاً أيقونة للسيدة العذراء. وهناك فى تلك البيعة الجديدة إجتمع المسيحيون المشتتون.. إجتمع المسيحيون المعذبون المضطهدون للصلاة بفرح وتهليل بعد أن كانوا فى زوايا الأرض وكهوفها ومغاورها مختبئين خائفين من هول ما وقع عليهم من العذاب. وهكذا بفضل شفاعة العذراء إنتصرت المسيحية وارتفعت راية الصليب وبطلت مشورة المعاندين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق