قبل أن تدق الأجراس معلنة إغلاق أبواب عام مضي.. وفتح أبواب عام جديد.. نظل نحلم حتي منتصف الليلة الأخيرة من العام السابق بقدوم 'بابا نويل'.. بل وننتظره قبل أطفالنا بفارغ الصبر آملين قدومه إلي بيوتنا حاملا هداياه وأحلامنا التي نعيش علي أمل تحقيقها.. منا من يرافق بابا نويل بأناشيد عام جديد ويقرع أجراس ميلاده ومنا من ينتظره في بيته..بابا نويل صاحب الذقن البيضاء والعصا الطويلة والرداء الأحمر الضخم يأتي إلينا حاملا البسمة والسعادة لتسكن في قلوبنا وفي قلوب كل من نحب.. وهي أجمل الهدايا التي يحملها دائما داخل كيسه القطني 'الأحمر' ويطوف به فوق زحافة يجرها ثمانية من غزلان 'الرنة' التي تنقله من بيت لآخر ليضع هذه الهدايا ويعلقها علي أشجار 'أحلامنا' الخضراء!..لكن من أين جاء بابا نويل؟يسمي الفرنسيون ذلك الشيخ الجليل حسن الوجه صاحب الشعر الأبيض واللحية البيضاء كالثلج.. الأحمر الثوب والقبعة الذي يتسلل إلي البيوت القابعة تحت وطأة البرد ليترك هدايا صلي الأطفال طلبا لها... يسمونه 'بابا نويل' أي أب الميلاد بالفرنسية أما الإنجليز والأمريكان فيطلقون علي موزع الفرح فِي ِقلوب الأطفال في موسم عيد الميلاد اسم 'سانتا كلوز' أو يختصرونه باسم 'سانتا' علي الرغم من أن الاسم مثلما هو في الإيطالية يعني 'القديسة'.. و'سانتا كلوز' لفظ محرف من أصل التسمية 'سانت نيكولاس' أي 'القديس نقولا'!.. هو إذن شخص حقيقي؟!..فإذا كانت الأسطورة تقول إن 'بابا نويل' يسكن القطب الشمالي في مكان ما من 'جرين لاند' الجزيرة الأكبر في العالم التي يكسوها جليد أبدي.. وهناك وفي أعماق واد خفي شمال شرق الجزيرة يقف 'بابا نويل' بكل هيبته أمام 'كونجنس جاردن' مزرعة الملك مسكنه الذي يعيش فيه فيما يتدلي حول عنقه المفتاح الذهبي لمصنع الألعاب الذي يعمل فيه علي إعداد الهدايا ليؤكد بإصرار علي أنه 'الوحيد' الذي يصنع البهجة!..أما أوراق التاريخ 'العتيقة' فتقول إن 'بابا نويل' ما هو إلا 'القديس نيقولا' ما هو إلا ذلك 'الأسقف' ذو اللحية البيضاء الذي عاش في القرن الرابع في آسيا الصغري في مدينة 'ميرا' في منطقة ليقية جنوب غرب تركيا.. ويعتقد أنه البطريرك 'نيكولاس' الذي حضر مجمع نيقية سنة 325 ميلادية وقد نقل رفاته إلي مدينة 'باري' الإيطالية الجنوبية سنة 1087 قبيل بدء الحروب الصليبية..وكان معروفا عن 'نيكولاس' أو 'مار نقولا' كما يسميه العرب كرمه حيال الأطفال ودفاعه عنهم وإحسانه إليهم ويقال في قصة شهيرة إنه منح ثلاث عذاري فقيرات في ليلة عيد الميلاد أموالا مكنتهن من الزواج.. وقد جعلته هذه القصص عن حياته وكرمه شخصا يرمز في سلوكه إلي العطف والحنان علي الأطفال.. وارتبط بعيد الميلاد لأنه عيد مولد السيد المسيح عليه السلام.. والمسيح هو القائل: 'دعوا الأطفال يأتون إليٌ' في لفتته الإنسانية المؤثرة يوم أحد الشعانين..والطفولة هي رمز آخر ارتبط به.. وفي أحد رموزها تعني تجدد الحياة وانتصارها علي الموت.. ومن هنا اتخذ 'مارنقولا' رمزا للحنان علي الأطفال خاصة في عيد الميلاد.. وحرص فنانو الأيقونات علي رسمه ومعه دائما ثلاثة أطفال وهو يرتدي ثوبه الأحمر ثوب البطاركة في عصره.. وله رسوم فسيفساء تمثله في كنائس قديمة في القسطنطينية وكييف في أوكرانيا والبندقية وباليرمو بإيطاليا.. كذلك تظهر صورته في نوافذ كاتدرائيات أوكسيروبورج وفي جيل أتوس وفي الفاتيكان بل إن متحف اللوفر بباريس يحتوي علي بعض هذه الأيقونات لهذا القديس..البحث عن أسطورة!.إذن لا هدايا ولا أحلام تأتي وتتحقق مع بداية عام جديد إلا مع 'بابا نويل' القادم علي عربته الشهيرة التي تجرها الغزلان علي الثلج في جيرو لاند أو حتي علي ظهر قارب أو جمل في بلاد لا تقل فيها درجة الحرارة عن 30 درجة مئوية.. إلا أن هذا الأمر لم يكتمل ويصبح عرفا إلا في القرن التاسع عشر..وقتها غمس فنان الكاريكاتير 'توماس نيست' ريشته في الألوان ورسم علي الورق 'سانتا كلوز' سمينا ذا خد متورد ولحية بيضاء طويلة احتفالا بأعياد الميلاد ونشرتها إحدي المجلات ومن وقتها أصبحت هذه الصورة هي المعتمدة لشخصية 'بابا نويل'.. كما أنها جاءت تتويجا لمحاولات كثيرة بدأها الفنان جون كالكوت هورسلي ولويس برا نج المعروف بأبي بطاقات عيد الميلاد ورأس السنة وذلك عام 1843 عندما قام برسم بطاقة تبين عائلة سعيدة يتعانق أفرادها وهم يتمتعون باحتفالات عيد الميلاد ويتبادلون التهاني والهدايا التي وجدوها أمام باب المنزل.. وطبعت علي البطاقة 'ميلاد مجيد وعام سعيد لك'!.إذن لايوجد اختلاف طالما أن الهدف هو إدخال البهجة إلي قلوب الأطفال.. وإن كان الهولنديون الذين أدخلوا 'بابا نويل' إلي المدن يطلقون عليه اسم 'سينتر كلاس'.. أما في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية فإنه يقدم الأناناس والحلويات والفطائر بدلا من الهدايا وفي جزر هاواي يأتي علي ظهر مركب شراعي.. وفي أسبانيا يضع الأطفال الأحذية علي شرفات المنازل أملا في مرور كريم 'للرجل الحكيم' كما يطلقون عليه.. وفي المانيا يترك الأولاد عادة رسائل إلي بابا نويل علي عتبات نوافذهم ويتم تزيينها بالصمغ والسكر لتلمع فيتمكن من رؤيتها ويتخذ 'باب نويل' في المانيا شكل طائر بلباس وتاج يغمرهما الأبيض حتي يسود اعتقاد شعبي هناك أن السيد المسيح عليه السلام يرسل ملاكا ليلة الميلاد ليقرأ الرسائل ويرسل الهدايا إلي مستحقيها.. أما في سويسرا فهو الملاك الأبيض الذي يقرع الجرس الفضي اللون ليعلن عن مجيئه حاملا السلة التي تحتوي علي هدايا الأولاد.. أما في روسيا فبابا نويل ما هو إلا 'اليابوشكا' الذي يوزع هدايا الأطفال.. وفي الشرق الأقصي هناك أيضا 'بابا نويل' حتي في اليابان حيث هناك كاهن يدعي "Hateiosho" 'هاتيشو' يؤدي دور بابا نويل ويوزع الهدايا علي الأطفال في منازلهم!..صراع من نوع خاص!أما الآن فالصراع يدور علي أشده بين جرين لاند وفنلندا والسويد للاستئثار بالرجل الأسطوري ذي اللحية الطويلة الناصعة البياض والذي يسكن بدون منازع قلوب أطفال العالم... فكل منهم يصر علي أنه الموطن والمكان المفضل لبابا نويل..فأهالي جرين لاند يستندون إلي الأسطورة التاريخية التي تحدثنا عنها في البداية ويتهمون الآخرين بأنهم مجرد أعوان يريدون سلبه عرشه.. في إشارة خاصة إلي بابا نويل الفنلندي.. والذي بدوره ينفي هذه الأسطورة وكذلك 'الحقيقة التاريخية' التي تنسب بابا نويل إلي القديس نقولا.. ويعتبر نفسه وحده الحقيقي والأكثر شعبية حيث يتدفق أكثر من نصف مليون من المعجبين والسياح لزيارة قرية 'بابا نويل' وهو المنتزه الذي أقيم بجوار جبال 'كورفاتونتوري' بإقليم لابونيا بالقرب من الحدود الروسية.. وفي شهر ديسمبر وحده تنقل إليه رحلات خاصة للأطفال بصحبة أهلهم ويصل عددهم في بعض الأيام إلي 75 ألف شخص يقصدونه للتعرف إليه وتسليمه لوائح الهدايا التي يرغبون بها لعيد الميلاد..وحاول 'بابا نويل' السويدي بدوره أن يطالب بإعلان بلاده موطن بابا نويل حيث يري أن اقليم 'أرفيد يساور' السويدي الواقع قرب القطب هو مسقط رأسه ويعلن أنه يتلقي رسائل من أطفال العالم بأسره ويؤمنون به..كما أن مدينة 'مورا' بوسط مملكة السويد التي يقيم بها تشهد في نهاية كل عام زيارة عشرات الآلاف من الأطفال له.. غير أن محاولاته ظلت بدون نتيجة.وتسعي كل شخصية لفرض صوتها في المؤتمر العالمي الخاص بكل شخصيات 'بابا نويل' الذي يعقد كل صيف في باكن شمال كوبنهاجن وهو أقدم منتزه في العالم حيث أقيم عام ..1583 وخلال المؤتمر الأربعين والذي عقد الصيف الماضي ندد حوالي 160 بابا نويل من 12 دولة أوربية وكندا واليابان وبالإجماع باستثناء صوت واحد ببابا نويل الفنلندي الذي يحاول الحلول محل خصمه من جرين لاند.. إلا أنه وفي كل الأحوال سنظل في انتظار ما سيأتي به.. وما أصعب الانتظار.. إنه الموعد مع بابا نويل رمز العطاء كي يقدم هداياه المنتظرة فهي رائعة ومحببة فقط لأنها من عطايا بابا نويل صاحب اللحية البيضاء.. والرداء الأحمر الذي بات الكثير منا وقبل الأطفال يرغبون في اقتناء مثيله..وعندما يأتي 'بابا نويل' سيحمل معه كيس الأحلام!..
2009-08-06
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق