إيمان وسط الظلام
كُتب الكتاب المقدس لأناس بلا إيمان حقيقي، وليس الإيمان "تصديق ما تعرف أنه غير صحيح" ولا هو "تصديق أمرٍ لا يقوم عليه دليل" فإن هذا من الحماقة!
ولكن قراءتنا للكتاب المقدس ستُنتج الإيمان الصحيح فينا. وإن كان لنا إيمان قليل فإن قراءتنا للكتاب المقدس تزيده. وليس في هذا طقوس غامضة، فقد وُلدنا لنؤمن بالأطباء، وموظفي البنوك، وشركاء الحياة، والرؤساء.وبدون هذا الإيمان الطبيعي سنعجز عن العمل، فالأيمان إذاً ممكن للجميع.
ويقول الناس عادةً: "إن رأيت أؤمن". ولكن إن برهن الإنسان على صدق شيء فلا ضرورة للإيمان، كما أن عدم رؤية شيء ليست برهانًا على الكفر به! فنحن لا نرى أحدُُ قط، ولكن الملايين يرون تأثيره في حياتهم. فالإيمان هو اتخاذ قرار.
صمام الإيمان
ليس للإيمان حجم ولا وزن، فالأيمان هو ما تفعله. حدَّثنا المسيح عن إيمان "مثل حبة الخردل" (لوقا17: 6) مشيرًا بهذا إلى شيء صغير جدًا، ولكنه ذو إمكانية هائلة. ويمكن اليوم أن نشبه الإيمان بالصمام الكهربائي (الفيوز) فهو صغير لكنه يوصِّل الطاقة الهائلة المولدة في محطات توليد الكهرباء إلى منازلنا. وبدون الفيوز تصبح أجهزتنا المنزلية عديمة الفائدة لأنها عاجزة عن الحصول على الطاقة.
ونحن كمؤمنين نعرف ما نؤمن به وبمن نؤمن، فالإيمان اختبار. عندما نقبل كلمة الله كما هي، ونقبل سلطانها الإلهي على حياتنا. نتَّصل بالمنبع الحقيقي، فالإيمان هو الصلة الحيوية، لأن به تتدفَّق قوى السماء إلى عالمنا. إن شدَّة عمل المسيح وعظمة فاعلية كلمة الله موجودة. لكن بدون إيماننا، ولو كان صغيرًا كالصمامة (الفيوز) تصبح كل هذه القوة والعظمة بلا فائدة، لأن الدائرة تنقطع. ولكن عندما تتصل بمصدر الكهرباء لا تملك الصمامة (الفيوز) إلا أن تُظهر تأثيرات الطاقة المتدفَّقة فينا، وتدفئنا. فالإيمان يجعلنا فعَّالين ممتلئين بالحيوية والحماسة والنشاط!
الإيمان عطية ذهبية
يختلف الإيمان بالمسيح عن أي إيمان آخر، حتى عن الإيمان الذي أعلنه العهد القديم، فإن العهد الجديد يعلن لنا إيمانًا "في المسيح" موحيًا بالحركة والاتجاه نحو الله في حب وثقة. إنه تعانق الله والإنسان! وهذا النوع من احتضان الله للإنسان لا يتم إلا في المسيح، الأمر الذي لم يكن يخطر ببال أحد من رجال العهد القديم، فقد كانوا يؤمنون أن الله روح، مختلفُُ عن كل من عداه، لا يقترب الإنسان منه إلا في خوف ورعدة. ولا يوجد في العهد سوى النشيد، وهو قصيدة حب تتلخص في العبارة القائلة "حبيبي لي وأنا له" (نشيد الأنشاد6: 3). وهو موقف الله من الناس الذي لم يدركوه حتى جاء المسيح.
وعندما واجه الناس العاديون حقيقة المسيح اكتشفوا فجأة أنه المخلَّص، فسلموا نفوسهم له بالكامل. ولم يُعد الإيمان قاصرًا على قليلين كما كان الحال في العهد القديم، فقد استطاع صليب الجلجثة أن ينجز ما لم تقدر الشريعة المعلنة في جبل سيناء أن تحققه، وأعلن المسيح طريقًا جديدًا للإيمان عندما قال: "ليس أحدُُ يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا14: 6) فلم يشار لنا على طريق، بل أعلن أنه هو الطريق.
إيمان للوقت الحاضر
رأى رجلُُ أبرص شيئًا في المسيح لم يره إلا القليلون، وعندما التقى بالمسيح قال له: "إن أردت تقدر أن تُطهرني" (متى8: 2) لم يقُل "إن قدرت تريد" إنما قال: "إن أردت تقدر". وواضح من هذا أن الكتاب المقدس لم يُكتَب ليخبرنا عما يقدر الله أن يفعله، فهو قادر على كل شيء. إنما يُكتب ليخبرنا عما يقدر الله أن يفعله، فهو قادر على كل شيء، إنما كُتب ليخبرنا عما سيفعله.
من السهل أن نؤمن أن الله فعل أشياء عظيمة في العهد القديم، ولكن الإيمان بما حدث في الماضي لا يفيدنا إلا إذا آمنا أنه يمكن أن يحدث اليوم. لقد كتب يوحنا عن الإيمان في ثلاثة أزمنة: "نعمة لكم وسلام من الكائن، والذي كان والذي يأتي.. ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين" (رؤيا1: 4) فإن ما سيكونه هو كائن قائم الآن، وهو نفسه ما كان!
إن الإله الذي خلق الكون لم يتقاعد بعد أن أكمل مهمة الخلق، فما فعله في الماضي يكشف لنا ما هو عليه الآن، وما سيكون عليه دائمًا. إنه الخالق الفاعل الصالح. وقد كانت الخليقة أول معجزاته وأعظمها. ومن المؤسف أن كثيرين يؤمنون أنه فعل في الماضي ويصدّقون حدوث المعجزات التي ذكرها الكتاب المقدس، ويقبلون استجابات الصلاة قديمًا، لكنهم يرفضون أن يؤمنوا أنه يفعل في الحاضر، ويشكّون في إمكانية حدوث المعجزات في يومنا هذا، وإذا استُجيبت الصلاة يقولون إنها صُدفة! ولكن المسيح يردُّ على هذا التشاؤم بقوله: "إن آمنتِ ترين مجد الله" (يوحنا11: 40).
الإيمان يخترق الحصون
أساسيات الإيمان أننا عندما نعمل يعمل الله. كثيرًا ما يصلي الناس: "يا رب، استخدمني" ولكنهم لا يفعلون شيئًا. إنك لا تقدر أن تنتظر "لتشعر" بالإيمان ليس شعورًا لكنه قيامك بعمل ما يجب أن يُعمَل، وأنت تعرف أنك لا تنجز إلا إن ساعدك الله، وقد سجَّل الله وحيه للبشر في الكتاب المقدس ليهدم عدم الإيمان ويبني الثقة به. وإليك بعض الآيات التي تحطم حصون الشك: "لا تشاكلوا هذا الدهر (أي لا تتكيفوا مع هذا العالم)، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رومية12: 2)
"إن آمنتِ ترين مجد الله" (فآمن إبراهيم بالله.. فدُعي خليل الله" (يعقوب2: 23)
"أنسى ما وراء، وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض" (فيلبي3: 13-14).
نتحدث عادة عن "مؤمنين كبار" ذوي "إيمان عظيم". ولا نقول إن أمرًا ما حدث لهم ألهمهم وشجعهم، فانتهزوا فرصتهم وغيَّروا موقفهم وصدَّقوا أن الإيمان وثبةُُ في النور لا في الظلام. فالتصديق يشبه طفلاً يقف في مكان خطر دون أن يخاف لأن أباه ينتظره ليمسك به، فهو يقف واثقًا أنه سيُرفَع! ولم يمدح المسيح الناس قط، لكنه مدح إيمانهم.
الإيمان الحقيقي
الإيمان الحقيقي هو أن نضع ثقتنا في شخص، فهو ليس إيمانًا "منطقيًا" ولا هو "أعمى". وفي كل العالم نجد الناس يؤمنون بديانات ونظريات وأحزاب وعبادات، دون أن يوعَدوا بشيء في هذه الحياة. ونسمع كثيرين ينصحوننا: "كن منفتح العقل. لا تكن متشددًا". فما فائدة هذه النصيحة؟ هل يطلب المسافرون أن يكون الطيار" منفتح العقل" يقودهم إلى حيث يشاء؟.. هل من كبرياء أن نطلب معرفة أن الشمس ستشرق في الصباح؟… فمن حق المؤمنين أن يكونوا متأكدين من المسيح ووعوده.
والذين لا يؤمنون بالله معذورون إن لم تصلهم معلومات عنه، ولكن كيف يغفر الله للذين يعرفون أنه أرسل ابنه ليموت عنهم دون أن يعيروا هذا التفاتًا؟ "وكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟" (عبرانيين2: 3) ولكن يبدو أن أحدًا لا يدرك كيف سيكون حاله عند مقابلة المسيح حتى يقابله!
الإيمان ومواعيد الله
الإيمان هو الأساس الوحيد لعلاقة عملية، فنحن نثق في الشخص الذي نعرفه، والكتاب المقدس يعرَّفنا من هو الله الذي أعطانا كلمته ووهبنا فيها 7874 وعدًا بعضها لا يطالبنا بشيء، مثل: "مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد، وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل، لا تزال" (تكوين8: 22) وبعضها يطالبنا بشيء نفعله، مثل "اطلبوا تأخذوا" (يوحنا16: 24).
إن ممارسة الإيمان في الصلاة نشاط صحي، يذكِّرنا باعتمادنا على الله، فبالصلاة يجعلنا الله عاملين معه، فنحن نطلب وهو ينجز، وقد خطط هو لهذا التعاون، فقال: "مهما سألتم باسمي فهذا أفعله" (يوحنا14: 13) وهذا الوعد يتمم مشيئة المسيح.
في الصلاة نحن نكلم الله، وهو يكلمنا في الوقت الذي يريده، وهو يعلن لنا مشيئته دون أن ننتزع نحن منه هذا الإعلان. تهدف الصلاة إلى وضعنا في خط واحد مع مشيئة الله، فيسرع باستجابة صلاتنا. ولا نحتاج أن "نجبره" على الاستجابة بصومنا أو تجميع مؤمنين يصلّون لأجلنا، فقد قال الرسول يعقوب: "لستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون. تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديًا لكي تنفقوا في لذاتكم" (يعقوب4: 2-3) ولن يستجيب الله صلوات أصحاب القلوب الردية!
درجات الإيمان
كان القدماء مثل أخنوخ وإبراهيم وصموئيل رجالاً يعرفون الله، تعطينا قصص حياتهم إرشادًا مهمًا يصِّور الإيمان بأنه اعتماد عملي يومي على الله. وتستمر هذه الثقة في العهد الجديد وتتوسَّع، فقد علَّمنا المسيح أن الحالة الحقيقية لنفوسنا وأرواحنا هامةُُ جدًا. ويمكن أن يتبع الإيمان خط سير كالآتي:
1- تصديق أن شيئًا ما حقيقي. لا يكفي أن تؤمن أن الله موجود، فالشياطين تؤمن بهذا وتقشعر (يعقوب2: 19) ولكن التصديق هو مجرد بداية.
2- تصديق أن شخصًا ما صادق. ويصدق كثيرون أن المسيح كان إنسانًا صالحًا. غير أن المسيح قال إنه أعظم من هذا بكثير، فهو مخلص العالم.
3- تصديق أن المسيح شخصُُ مُلهَم، وأنه نبي. غير أن النبي يجب أن يُسمع، وسماعنا للمسيح وطاعتنا ينقلنا إلى خطوات أبعد من أنه مجرد نبي مُلهَم!
4- تصديق أن الله قادرُُ على كل شيء، وقد صَّدق كثيرون أن المسيح يقدر أن يشفي، ولكنهم لم يقبلوه ربًا ومخلصًا.
5- التصديق الواثق، فالثقة تجعل الإيمان مسألة شخصية، لأننا نضع ثقتنا في الذين لا يخذلوننا.
6- تصديق المسيح، وهذا هو الإيمان الحقيقي، لأنه تسليم كامل يجعل المسيح يحتل كل دائرة من دوائر حياتنا.
إيمان إبراهيم
يغير الإيمان الأشخاص الذين يغيرون العالم. كان إبراهيم أول من عُرف بأنه المؤمن الذي أطاع. وبسبب إيمانه نُقش اسمه في تاريخ العالم إلى يومنا هذا! ولم تكن التقاليد سبب إيمانه فلم تكن هناك تقاليد، ولا كان سبب إيمانه رجاءُُ مستقبلي، لكنه ببساطة سار مع الله بالإيمان، وكان "ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله" (عبرانيين11: 10) لقد كانت له رؤية جديدة تختلف تمامًا عن رؤية المحيطين به المتعطشين للدماء. لم يكن إبراهيم يعرف الكثير عن العالم المحيط به، لكنه عرف الكثير عن الحياة الحقيقية، وعندما دعاه الله ليترك بلده أور الكلدانيين، ذهب وهو لا يعلم إلى أين يأتي.
ويواجهنا سؤال: لماذا طلب الله من إبراهيم أن يقدم ابنه ذبيحة؟ لم يقصد الله أبدًا أن يُذبح إسحاق، لكنه كان يمتحن إيمان إبراهيم بحسب المستوى الحضاري في زمنه، فأظهرت طاعة إبراهيم إيمانه المذهل، وتقول رسالة العبرانيين19: 11 إن إبراهيم كان يؤمن أنه حتى لو ذبح إسحاق فإن الله سيقيمه من الموت. ولكن الله أمسك بيد إبراهيم، وأعلن لنا حضارةً جديدة تخلو من إراقة الدماء.
ولم يكتفِ الله بأن يرفع "أبرام" إلى "إبراهيم" (بمعنى الأب الرفيع)، لكنه أطلق على نفسه لقب "إله إبراهيم" وهذا يعني أن الإيمان يربطنا بالله، فقد قال المسيح: "كل من يعترف بي.. أعترف أنا أيضًا به" (متى10: 32).
الإيمان وأسماء الله
أطلق الله على نفسه أسماء كثيرة في الكتاب المقدس، يلقي كل اسم منها ضوءًا على جانب من شخصيته. وجاء في متى3: 11 وصفُُ للمسيح في عبارة تقول: "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، وهي عبارة مثيرة تُظهر أنه هو نفسه الإله الذي قال بفم يوئيل النبي: "أسكب روحي على كل البشر" (يوئيل2: 28) وقد أعطى الله لنا أسماءه في الوحي المقدس، ليعرَّفنا أسرار شخصيته، وليزيد إيماننا. وإليك بعض غِنى ما أعلنه الله لنا في أسمائه:
-"رب الجنود" (1صموئيل1: 3) بمعنى أن الله يؤيد شعبه في معاركهم.
-"يهوه يرأه" (تكوين22: 14) بمعنى أنه يدبر. وقد دبَّر فداء إسحاق بالكبش الذي دبَّره ليُذبح بدله. ولكن التحقيق الكامل للفداء في تدبير الله لفداء البشر جميعًا بالمسيح "حمل الله" الذي يرفع خطية العالم.
-"يهوه رافا" (خروج15: 26) بمعنى أنه يشفيني.
-"يهوه نسي" (خروج17: 15) بمعنى الرب رايتي، فهو يعطيني النصرة.
-"يهوه شالوم" (قضاة6: 24) بمعنى الرب سلام، فهو يمنح السعادة والرجاء والصحة والأمان.
-"يهوه صدقينو" (إرميا23: 6) بمعنى أنه برُّنا، وهي نبوة عن المسيح الذي يبرر الخاطئ الذي يؤمن به.
-"يهوه شمَّه" (حزقيال48: 35) بمعنى الرب هناك، فهو لا يجيء لأنه دائمًا موجود، ونحن لا نسبقه في الحضور، فقد قال المسيح: "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (متى18: 20).
وهناك أسماء كثيرة للرب، فهو كل شيء لكل الناس، و"حسب إيمانك ليكن لك". ولا يمكن أن ينتهي عمل الله.
الله الفاعل
ورد وعد الله "أن يفعل" و"أن يريد" نحو أربعة آلاف مرة في الكتاب المقدس، فهو الفاعل لما يريد، وقد ردد المسيح هذه العبارة كثيرًا جدًا، لأن كل سلطان في السماء والأرض قد دُفع له، وقد نفذ "فاعلية" الآب السماوي، وأظهر أن رغباته هي العليا. قال للأبرص "أريد فاطهُر" (مرقس1: 41) فأظهر صلاح إرادته ورحمتها وإيجابيتها. ويقول الكتاب إن إرادة الله وفعله أزليان. ولا يوجد ما يدعو لأن يخبرنا الله كيف كانت إرادته في الماضي، لولا معرفتنا أنها أزلية أبدية لا تتغير. ونحن نعرف الله من أفعاله، فهو الفاعل لما يريد بخلاف الآلهة الأخرى العاجزة. وإيماننا بالله يعني إيماننا أنه يريد ويفعل.
وعندما يقول الله "أريد" يكون هذا وعدًا وميثاقًا. خُذ مثلاً تكوين89: 10 "وكلم الله نوحًا وبنيه معه قائلاً: ها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم، ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم.." فهذا وعدُُ من جانب واحد، وهو غير مشروط. أراد، فوعد، ففعل. وعود الله شاملة وصادقة، ولم يجبره أحدُُ ليعِدَنا بها.
ووعود المسيح هي للحاضر الفوري: "تعالوا إليَّ…وأنا أريحكم" (متى11: 28) "فأجعلكما صيادي الناس" (متى4: 19) وفي يوحنا 14: 16 "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر" وقد حقق هذا الوعد يوم الخمسين بناءً على الإرادة الإلهية المنفردة، دون تدخل بشري! فلم يطلب التلاميذ هذا من المسيح، بل هو وعد ونفَّذ. لقد قال: "أبني كنيستي" وفعل، ولا زال يفعل، وسيستمر يفعل.
المعرفة تعني الثقة
يؤكد الوحي لنا أننا يمكن أن نثق في الله، لأننا نعرف من هو. إننا نثق في شخصٍ ما لأننا في أمانته واستقامته، فمن المهم جدًا أن نعرف من هو الذي نثق فيه. قال المسيح: "أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي" (يوحنا14: 1)، وقال: "الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني" (يوحنا12: 44). لاحِظ أنه يكرر كلمة "بي"، لنعرف من هو الذي نثق فيه، فنؤمن به لأنه أمين وصادق. ويكرر الله هذا في إشعياء41: 14 و43: 11، 25 و46: 4 فيقول "أنا" "أنا هو" "أنا أنا هو" "أنا.. أنا.. أنا". وبهذا التكرار يقنعنا أن نثق أنه موجود وقادر "هكذا يقول الرب فاديكم" (إشعياء43: 14). فإن لم نضع ثقتنا فيه فلن نجد سواه "وليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي أن نخلُص" (أعمال4: 12) ويقول الله في إشعياء41: 4 "أنا الرب الأول، ومع الآخرين أنا هو" وفي زكريا12: 10 يقول: "فينظرون إليَّ الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له". فالقائل "أنا هو" هو القائل "إليَّ" فالمسيح يقول "أنا هو" وقال: "قبل إبراهيم أنا كائن" (يوحنا8: 58) فهو الأزلي الأبدي الكائن دائمًا.
إيمان وسط ليالي الصعاب
نقرأ في يوحنا6 قصة مشهورة ومعروفة: "كان الظلام قد أقبل، ولم يكن يسوع قد آتى إليهم… مضى تلاميذه وحدهم" (يوحنا6: 17-22). كان التلاميذ الخبيرون ببحيرة طبرية قد ركبوا القارب ولم يكن المسيح معهم، وبهذا كانوا وحيدين، وجاءهم المسيح ماشيًا معهم، وبهذا كانوا وحيدين، وجاءهم المسيح ماشيًا على الماء ليطمئنهم من خوف وقال: "أنا هو. لا تخافوا". "أنا هو" فهو "الكائن" الذي يطمئن "فرضوا أن يقبلوه في السفينة، وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها" (يوحنا6: 21) عندما وصل المسيح وصلوا!
والمسيح هو النور الوحيد لعالمنا، فلو تبعت نورًا سواه لن يعرف إلى أين تصل. وينادينا البعض أن ننضم إليها للتفتيش عن الحق. ولكن ماذا عسانا نجد بغير النور؟ لقد حذَّرنا الرسول بولس ممن وصفهم بالقول: "يتعلَّمْنَ في كل حين، ولا يستطِعْنَ أن يُقبِلْنَ إلى معرفة الحق أبدًا" (2تيموثاوس3: 7).
وفكرة النور والظلمة تتكرر في كل إنجيل يوحنا، فهو يقول: "النور يضيء في الظلمة لم تدركه" (يوحنا1: 5) وللفعل "تدركه" عدة معاني، منها تلحق به، أو تفهمه، أو تمسكه، أو تغلبه. والواضح منها أن الظلمة لن تهزم النور. والإيمان هو الأشعة تحت الحمراء التي ترى في الظلام وتوضح الغامض.
من إيمان لإيمان
نقرأ في يوحنا9 أن المسيح التقى بمولود أعمى خارج الهيكل. وكان كل ما قدر التلاميذ أن يفعلوه هو أنهم سألوا إن كان عمى الرجل نتيجة خطاياه أم خطايا أبويه، فأجابهم المسيح: "لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه". ثم فتح عيني الرجل، معلنًا الصلاح الإلهي، ثم حوَّل المعجزة إلى مثَلٍ، وهو يقول: ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني مادام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل، ونحن ينبغي أن نقوم بعمل الآب الذي أرسل المسيح، فنرد البصر ونأتي بالنور.
وعندما سُئل الأعمى الذي أبصر عمَّن شفاه ،أجاب: "إنسان يُقال له يسوع" (آية11) ولما أُعيد السؤال عليه أجاب: "إنه نبي" فقد كان إيمانه معجزة متدرجة. ولكن رؤساء الدين اليهود كانوا يفتشون عن تهمة يوجَّهونها للمسيح، فحاولوا أن يجعلوه يقول إن المسيح خاطئ، ولكنه هتف بما اختبره وقال: "كنتُ أعمى والآن أبصر". ولما ضغطوا عليه نطق بالحق الذي أذهلهم: "نعلم أن الله لا يسمع للخطاة. ولكن إن كان أحدُُ يتَّقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع. منذ الدهر لم يُسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى. لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا". فأخرجوا من المجمع لأنه أعلن أن المسيح "من الله" بعدها التقى المسيح به وسأله: "أتؤمن بابن الله؟" فقال: "أؤمن يا سيد". وسجد له، فإن للإيمان هدفًا أبعد هو الحياة كلها، وله رد فعل نهائي هو السجود والعبادة.
الإيمان باسم المسيح
"الله أعطاه اسمًا فوق كل اسم" (فيلبي2: 9-11) وهو اسم واضح في أسماء الله (مثل يهوه يرأه) "وليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُغطي بين الناس به ينبغي أن نخلُص" (أعمال4: 12) فهو رسم جوهر الله (عبرانيين1: 3) وعندما مؤمن باسم المسيح نؤمن بكل ما يحمله هذا الاسم المجيد من معاني.
ولقد أُعطي هذا الاسم العبري الشائع ليكون واحدًا منا ومعنا، فقد اتَّخذ طبيعة البشر وحمل اسم واحدٍ منهم، ومعنى الاسم "الله الخلاص". وقد حقق في اسم نبوَّة إشعياء62: 11 "قولوا لابنة صهيون: هوذا مخلِّصك آتٍ" فالمسيح هو المخلِّص.
وقد علَّم المسيح تلاميذه أن يصلّوا الصلاة الربانية (متى6: 6-15)، ولوقا11: 1-4 دون أن يختمها بالقول "باسم المسيح". لكنه نبَّر على ذلك في يوحنا14: 14و16: 23 ويطالبنا الوحي بأن نفعل كل شيء باسم الرب يسوع (كولوسي3: 17) فعندما نخدم الآخرين نخدمهم باسم المسيح ومن أجل خاطره، فهذا معنى "باسم المسيح". وهذا تعليم جديد قدَّمه المسيح لنا، فلم يحدث من قبل أن صلّى باسم المسيح.
إن الصلاة باسم المسيح تجعل تنفيذ الإرادة الإلهية ممكنًا، فهناك قوة في اسم المسيح، ولو أن تكرار هذا الاسم المجيد كأنه كلمة سحرية لا يجبر الله حاضرًا، ولكننا نصلي لأن الله حاضر.
صلاة الإيمان
الإيمان ممكن بغير صلاة، فنقرأ في أعمال الرسل أصحاح3 أن بطرس ويوحنا كانا ذاهبين للصلاة وشفيا أعرجًا دون أن يصليا لأجله. لكن لا فائدة في الصلاة بغير إيمان، فقد قال المسيح: "حينما تصلّون فآمنوا" (مرقس11: 24) وعندما نؤمن لا نتوقف عن الصلاة، لأن الإيمان يدفعنا لنصلي، وصلاة الإيمان تزيد إيماننا، وتجعلنا نستمر مؤمنين إلى أن تُستجاب، فنصلي بلا انقطاع (1تسالونيكي5: 17) وتقدم لنا رسالة(يعقوب5: 7،8و17،18) نموذجين للإيمان والصلاة بمثابرة، أحدهما إيليا الذي كان ينظر المطر واثقًا في هطوله، كما سبق وتنبأ عنه، وثانيهما أيوب الصابر لله بالرغم من آلامه، فلم يفقد ثقته بالله ولو لحظة واحدة. "فرحين في الرجاء. صابرين في الضيق. مواظبين على الصلاة" (رومية12: 12).
الإيمان والخوف
هناك نوعان من الخوف نجدهما في خروج20: 20 "لا تخافوا. لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم، ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا". فمخافة الرب صالحة لأنها تعني مهابة عظمته التي تدفعنا للتقوى التي تسيطر علينا فلا نخطئ. فإن لم نخش الله سنرتعب من كل شيء، لأننا دائمًا نخاف من الأقوى منَّا. وكلمة "خوف" في العهد الجديد (في اليونانية) هي عادةً "فوبيا" ويقول المسيح: "لا تخف. أمن فقط". وهناك كلمة يونانية أخرى مترجمة "خوف" هي "ديلوس" ومعناها "جُبن ورعدة" ولكن "الله لم يعطنا روح الفشل (الرعدة). بل روح القوة والمحبة والنصح" (2تيموثاوس1: 7) فالخوف والقلق والفشل يقتلوننا، أما الإيمان فيشفي "لا تخف. آمن فقط" (لوقا8: 50).
وليس الإيمان مجرد شعور لكنه ينصرنا ويحررنا من الرعب الذي يصيبنا بالشلل.
الإيمان والشيطان
منذ أن ثار الشيطان ليأخذ مجد الله هو يريد الاستيلاء على كل شيء (إشعياء14: 12-15) ويبدو أن البشر كانوا أسهل هدف، ولكن خطة الله اختارت "جُهَّال العالم ليُخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء" (1كورنثوس1: 27) ولم يتوقف الشيطان عن محاولة تنفيذ خطته حتى يومنا، ومن هذه الخُطط مسائل السحر والتنجيم بكل مظاهرها. ولكن المؤمن يحمي نفسه بأن يلبس ترس الإيمان (أفسس6: 16) ويحاول الشيطان أن يسلب المؤمن هذا الترس، لأنه بدون الإيمان نتعرض للدمار والموت.
وهناك مؤمنون يبدو أن إحساسهم بوجود الشيطان أكبر من إحساسهم بوجود المسيح، لأن الشيطان يجذب انتباههم إلى مظاهر قوته. ولكن الإنجيل أكبر من مجرد إخراج الشياطين أو الشفاء، فإننا نتبع المسيح الذي كانت رسالته "ملكوت الله" وقد قال لنا: "لا تفرحوا بهذا: أن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كُتبت في السماوات" (لوقا10: 20) وواضح أن السحر والتنجيم ليسا أصلاً لكل الشرور، لكن "محبة المال أصل لكل الشرور" (1تيموثاوس6: 10) ويريد الرسول بطرس صدى هذا بقوله: "قاوموه (إبليس) راسخين في الإيمان" (1بطرس5: 9) ونحن نهزم إبليس بترس الإيمان، فنلقي بأنفسنا على الله فلا يجد إبليس مكانًا فينا "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا" (1يوحنا5: 4).
إلهي
الإيمان هو جواز الدخول إلى ملكوت الله بكل موارده، وهو ما لا تمنحه لنا أية منظمة. إن استسلام أعضاء الكنائس للأوامر الشخصية لأي قائد هو نوع من السحر الذي يؤدي إلى الموت، وقد قال المسيح مرتين: "لأن معلمكم واحد: المسيح" (متى23: 8-10) ومع هذا فإنه لم يتدخل أبدًا في قرارات تلاميذه العادية. وكلمة "تلميذ" تعني "طالب تعليم" أو "تابع" والمسيح يقول: "من ليس معي فهو عليَّ" (لوقا11: 23) ويتجاهل أصحاب السحر والتنجيم غيرهم، أما المسيح فيحتضن كل من يأتي إليه، ويدعوه باسمه "دعوتك باسمك. لقَّبتك" (إشعياء45: 4) ويحدثنا الكتاب المقدس عن معاملات الله مع الأفراد، وهو يختارنا ويقول: "ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم" (يوحنا15: 16) وعندما نسمع دعوته ونصدقها نبدأ في طاعتها، ولكل واحد منا علاقته الخاصة المتفرِّدة بالله والتي تختلف عن علاقة غيره بالله، ذلك لأن عظمة الله لا تظهر من تعامله مع كل الأفراد، وصلاح الله كجوهرة عظيمة لها ملايين الأوجه، ولهذا فإننا كلنا مجتمعين نُظهر روائع نعمة الله. إننا جميعًا عمله وبه وله، بطريقة خاصة حميمة، فيمكن أن تقول "الله إلهي" كما كان "إله إبراهيم". وهو إله كل شخص، فلا يوجد ما يدعو أن تكون بولس أو أغسطينوس، فلكل مؤمن طريقة بحسب خطة الله له.
حضور الله
"أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء" (رؤيا1: 8) وفي القول "الذي يأتي" معنيان: أولهما أن المسيح آتٍ ثانيةً، وثانيهما أن الله يتحرك نحونا دائمًا ببركاته وقوته. ويوصف مجيئه إلينا بالكلمة اليونانية "باروسيا" أي "الحضور". إن الله لا يزورنا، لأنه دائمًا معنا، ونحن ماثلون في محضره دائمًا، وليس فقط ونحن نصلي، والمسيح يقول: "لا أهملك ولا أتركك" (عبرانيين13: 5).
وفي يوحنا14: 8 يقول المسيح: "إني آتي إليكم" في صيغة الفعل المضارع، وفي أية23 يقول إنه والآب والروح القدس يأتوننا "إن أحبني أحد.. إليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً". وهو إتيان دائم للعالم كله، فالله لا يأتي مرة ليقوم بعمل شيء، لكنه ينتظر استعدادنا ليُجري عمله فينا "أبي يعمل الآن، وأنا أعمل" (يوحنا5: 17).
فعالية القوة الإلهية
يشبه الإيمان الأسلاك التي توصِّل الكهرباء، لكنها ليست الكهرباء، فالإيمان يوصلنا إلى أبينا السماوي، مصدر القوة. ويبحث الناس عن القوة في نظريات وطرق مختلفة، بل إن بعض المؤمنين يطلبون القوة من مصادر مشكوك فيها، كالصلوات الزائدة الطول، والآثار المقدسة. ولكن تلاميذ المسيح لا يجدون القوة في عالم الطقوس السرية والأمور الأرضية، فإن موت المسيح وقيامته دبَّرا لنا القوة الإلهية التي نحتاجها. والإيمان البسيط للشخص العادي هو الذي يلمس المسيح الذي قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يوحنا14: 6) إنه الوسيط الوحيد بين الله والناس (1تيموثاوس2: 5) وقد دفع حساب هذا كله عندما قال "قد أُكمِل" (يوحنا19: 30).
يحدثنا الوحي في عبرانيين9: 14 عن "الأعمال الميتة" وهي الأعمال الصالحة التي لا تنبع من الإيمان، ويقدم لنا الجانب الآخر من الصورة، في القول: "الإيمان بدون أعمال ميت" (يعقوب2: 26) فإن لم تكن في موضع الاتكال على الله يكون إيمانك بلا معنى، فإن العمال لا تصبح فعالة إلا بالإيمان.
"لذلك نحن أيضًا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومُكمله: يسوع" (عبرانيين12: 1،2).
ماذا أنت فاعل الآن؟
إن شعرت أثناء قراءتك لهذا الكتاب أن روح الرب يتحدث إلى قلبك، فتأكد أنه يدعوك إلى علاقة شركة أعمق معه. قال الرب يسوع في يوحنا6: 37 "من يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجًا" وهذه الآية تنطبق عليك أينما كنت ومهما كنت. تأكد أن الرب سوف يسمع صوتك ويخلصك في الحال إن صليت الكلمات التالية من أعماق قلبك.
أيها الآب السماوي
آتِ إليك باسم يسوع المسيح
آتِ إليك بكل خطاياي وأثقالي وعاداتي السيئة
اغسلني الآن بدم يسوع الكريم المسفوك لأجلي على الصليب
كَسَّر كل قيود الخطية والشر في حياتي وفي عائلتي
كرسني لك للأبد بدمك الكريم
أريد أن أكون ملكًا لك نفسًا وروحًا وجسدًا
الآن على الأرض وفي الأبدية أيضًا
ها أنا أضع ثقتي فيك وحدك أيها الرب يسوع المسيح
أنت هو ابن الله الحي
أؤمن في قلبي بما يعترف به لساني
أنت مخلصي، ربي وإلهي
الآن نلت الميلاد الثاني وأصبحت ابنًا لله
أؤمن بهذا وأقبله باسم يسوع المسيح… آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق