مررت في الطريق فلفت نظري أني رأيت ثلاث فتيات يبكين بكاءاً مراً. فدفعني الواجب الإنساني بالسؤال عن أسمائهن, ولماذا يبكين ؟
سألت الأولي: مَن أنتِ ؟
فقالت: ( أنا الرحمة ).
قلت: ولماذا تبكين ؟ وقد عهدنا بكِ تمسحين الدموع وتخففين الأحزان .
أجابت : نعم.
ولكنني أبكي لأن أولادي قد ماتوا , وأهلي تنكروا لي فطردوني, ولا أجد مكاناً استريح فيه. فبعد أن كان يرحب بي الناس في قلوبهم ’ فأفيض على الفقراء بالخير , وعلى البؤساء بالهناء , أصبحت مهانة طريدة , لا مأوى لي ولا قرار.
سألت الثانية : وأنتِ مَن ؟
قالت : ( أنا الشفقة ).
قالت لها: ولماذا تعلو الكآبة وجهك السموح وترتدين المسوح , وتجلسين على الرماد ؟
أجابت : كنت قد اتخذت قلوب الناس مسكناً , وبذلك رققت عواطف الآباء نحو الأبناء , والرجال نحو النساء , والأغنياء نحو الفقراء .
وإذا بالأيام تتمخض فتلد بنتاً أسمها (القساوة) فحلت في القلوب مكاني فأصبحت كما تراني طريدة مُشردة.
فسألت الثالثة: وأنتِ مَن؟
أجابت: ( أنا الإنسانية ).
قلت لها : ولماذا تعجين عجيجاً أشد من عجيج البحار , وتنتحبين انتحاب الثكلى ؟
قالت: كيف لا أنتحب وبنتي (الفضيلة) سقطت في ميدان القتال , وانتصرت عليها الرذيلة.
وهاك صوت الحرب ينذر العالم بالشر , وصوت السلام خافت يكاد لا يُسمع. وها هي الخلاعة قد خلعت عنها برقع الحياء , فأصبحت تسير في الشارع مستهينة بالآداب العامة محتقرة كلام الرب , معرضة عن اللياقة.
أما الحشمة فقد لزمت عقر دارها لا تجرؤ على أن تظهر بين الناس, لأنهم يعتبرون أن وقتها مضي وفات.
فرحم الله عهداً كان للرحمة والشفقة والإنسانية المكان الأول . وكانت الفضيلة تتربع على عرش القلوب.
انتحيت ناحية وبكيت ما شاء لي البكاء , على الضحايا الذين ذهبوا ضحية هذه الحياة الثقيلة . ورأيت العالم مسوق إلى هوة سحيقة يجري إليها بسرعة .
العالم كركاب سفينة هبت عليهم ريح , فساقتها إلى حيث لا تعلم المصير , أمامها صخور عالية تهددها , والأمواج ترفعها ثم تخفضها . والركاب في خوف وفزع يتوقعون الموت بين لحظة وأخرى.
وعند ذلك ظهر المسيح ماشياً على الماء , واقترب من السفينة وقال للركاب : ( لا تخافوا أنا هو ).
وعندما شرف بمجده السفينة , استقامت في سيرها , والأمواج هدأت , والصخور انحنت أمام عظمته , والبحر هدأ بعد هياجه.
قلت .. آه .. يا إلهي .. إن العالم الآن كركاب السفينة , الصخور تنتظرهم , والأمواج تهددهم , والبحر يكاد يبتلعهم , ولا سبيل إلى هدوء السفينة , إلا بأن يشرفها المسيح بوجوده .
فإذا لم يسلم العالم نفسه للمسيح ليقوده , ويسمح له بأن يدخل في السفينة ليتسلم دفتها ويدير سياستها , فلا أمل للعالم في الشفاء من أمراضه ولا سبيل له للخلاص من أدرانه.
أيها العالم المتألم المريض .. قم .. فطبيبك الشافي واقف على الباب , وهو مستعد أن يعالج ما فيك من أدواء.
أيها العالم المسكين الفقير في الأخلاق , هوذا رب المجد قادر أن يغنيك فيرد إليك بهجة الحياة ويعيد إليك الفردوس الضائع .
أيها العالم البائس .. تعال .. إلى مصدر الرجاء ليرفع عنك بؤسك ويعطيك العزاء.
اقشعري أيتها الإنسانية المعذبة وأبكي بكاء الثكلى , على الحروب الطاحنة التي تدور بين بني الإنسان في كل زمان , والدماء البريئة التي تسفك , والاستهتار بالأنفس والفتك بالبشر , بما لا يستطيع عمله الوحوش الكواسر.
فمن غازات سامة خانقة , إلى قنابل تقذفها الطائرات من علو شاهق , وتقذف نيرانها المتأججة في هدوء الليل والناس نيام , لتترك وراءها جثثاً مكومة , إلى تلك الصواريخ عابرة القارات التي تحصد في نفوس الناس حصداً , وتترك وراءها قلوباً متقطعة , وأحشاءاً ممزقة , وجثثاً متناثرة هنا وهناك بحالة تفتت الأكباد.
الألـم هو العَلَم الذي
يرفرف على كل بني البشر
سألت الأولي: مَن أنتِ ؟
فقالت: ( أنا الرحمة ).
قلت: ولماذا تبكين ؟ وقد عهدنا بكِ تمسحين الدموع وتخففين الأحزان .
أجابت : نعم.
ولكنني أبكي لأن أولادي قد ماتوا , وأهلي تنكروا لي فطردوني, ولا أجد مكاناً استريح فيه. فبعد أن كان يرحب بي الناس في قلوبهم ’ فأفيض على الفقراء بالخير , وعلى البؤساء بالهناء , أصبحت مهانة طريدة , لا مأوى لي ولا قرار.
سألت الثانية : وأنتِ مَن ؟
قالت : ( أنا الشفقة ).
قالت لها: ولماذا تعلو الكآبة وجهك السموح وترتدين المسوح , وتجلسين على الرماد ؟
أجابت : كنت قد اتخذت قلوب الناس مسكناً , وبذلك رققت عواطف الآباء نحو الأبناء , والرجال نحو النساء , والأغنياء نحو الفقراء .
وإذا بالأيام تتمخض فتلد بنتاً أسمها (القساوة) فحلت في القلوب مكاني فأصبحت كما تراني طريدة مُشردة.
فسألت الثالثة: وأنتِ مَن؟
أجابت: ( أنا الإنسانية ).
قلت لها : ولماذا تعجين عجيجاً أشد من عجيج البحار , وتنتحبين انتحاب الثكلى ؟
قالت: كيف لا أنتحب وبنتي (الفضيلة) سقطت في ميدان القتال , وانتصرت عليها الرذيلة.
وهاك صوت الحرب ينذر العالم بالشر , وصوت السلام خافت يكاد لا يُسمع. وها هي الخلاعة قد خلعت عنها برقع الحياء , فأصبحت تسير في الشارع مستهينة بالآداب العامة محتقرة كلام الرب , معرضة عن اللياقة.
أما الحشمة فقد لزمت عقر دارها لا تجرؤ على أن تظهر بين الناس, لأنهم يعتبرون أن وقتها مضي وفات.
فرحم الله عهداً كان للرحمة والشفقة والإنسانية المكان الأول . وكانت الفضيلة تتربع على عرش القلوب.
انتحيت ناحية وبكيت ما شاء لي البكاء , على الضحايا الذين ذهبوا ضحية هذه الحياة الثقيلة . ورأيت العالم مسوق إلى هوة سحيقة يجري إليها بسرعة .
العالم كركاب سفينة هبت عليهم ريح , فساقتها إلى حيث لا تعلم المصير , أمامها صخور عالية تهددها , والأمواج ترفعها ثم تخفضها . والركاب في خوف وفزع يتوقعون الموت بين لحظة وأخرى.
وعند ذلك ظهر المسيح ماشياً على الماء , واقترب من السفينة وقال للركاب : ( لا تخافوا أنا هو ).
وعندما شرف بمجده السفينة , استقامت في سيرها , والأمواج هدأت , والصخور انحنت أمام عظمته , والبحر هدأ بعد هياجه.
قلت .. آه .. يا إلهي .. إن العالم الآن كركاب السفينة , الصخور تنتظرهم , والأمواج تهددهم , والبحر يكاد يبتلعهم , ولا سبيل إلى هدوء السفينة , إلا بأن يشرفها المسيح بوجوده .
فإذا لم يسلم العالم نفسه للمسيح ليقوده , ويسمح له بأن يدخل في السفينة ليتسلم دفتها ويدير سياستها , فلا أمل للعالم في الشفاء من أمراضه ولا سبيل له للخلاص من أدرانه.
أيها العالم المتألم المريض .. قم .. فطبيبك الشافي واقف على الباب , وهو مستعد أن يعالج ما فيك من أدواء.
أيها العالم المسكين الفقير في الأخلاق , هوذا رب المجد قادر أن يغنيك فيرد إليك بهجة الحياة ويعيد إليك الفردوس الضائع .
أيها العالم البائس .. تعال .. إلى مصدر الرجاء ليرفع عنك بؤسك ويعطيك العزاء.
اقشعري أيتها الإنسانية المعذبة وأبكي بكاء الثكلى , على الحروب الطاحنة التي تدور بين بني الإنسان في كل زمان , والدماء البريئة التي تسفك , والاستهتار بالأنفس والفتك بالبشر , بما لا يستطيع عمله الوحوش الكواسر.
فمن غازات سامة خانقة , إلى قنابل تقذفها الطائرات من علو شاهق , وتقذف نيرانها المتأججة في هدوء الليل والناس نيام , لتترك وراءها جثثاً مكومة , إلى تلك الصواريخ عابرة القارات التي تحصد في نفوس الناس حصداً , وتترك وراءها قلوباً متقطعة , وأحشاءاً ممزقة , وجثثاً متناثرة هنا وهناك بحالة تفتت الأكباد.
الألـم هو العَلَم الذي
يرفرف على كل بني البشر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق