بحث مخصص

2008-11-07

رصاصة وصاروخ


( لماذا تحتفظ بهذا الإنجيل يا أبي ؟ إنه قديم للغاية ) قالتها ابنتي ذات الـ15 ربيعا متسائلة ومتعجبة ولم تدر إنها فجرت بسؤالها هذا ذكريات مر عليها حوالي ثلاثون عاما ، نعم ثلاثون عاما ، لم أستطع الرد عليها وأنا أتذكر هذه الذكريات ، فهناك مواقف تحدث في حياة الإنسان لا يمكن أن ينساها مهما طالت حياته ، وهناك أحداث تحدث في حياة الإنسان تجعله يدرك إنه ليس سوى ذرة في هذا الكون الذي يدبره الله صانع المعجزات و... كلا يجب أن تستمعوا للقصة من الأول وأعذروني إذا كنت مضطربا ، فجسدي كله يرتعش من هذه الذكريات. نحن في نهايات سبتمبر عام 1973 ، وأنا وبيشوي ، صديق عمري ، نقضي فترة التجنيد الإجباري منذ 3 سنين ولست أدري متى ستنتهي ، فهي لن تنتهي إلا بخروج العدو الإسرائيلي من أرض سيناء الحبيبة. وفي ليلة 5 أكتوبر ، أحسسنا إن الحرب قريبة من كثرة الاستعدادات ، فقال لي بيشوي : هيا بنا نصلي ، فلا أحد يدري هل سنصلي مرة أخرى في هذا العالم أم لا ؟ سرت قشعريرة شديدة داخلي وأنا أستمع إليه وهو يشير إلي الموت بكل الطمأنينة ، فقلت له: وما هذا الهدوء الأقرب للبرود الذي أنت فيه ؟ قال لي : حياتي أو موتي لا يعنياني كثيرا ، فإن عشت فسأعيش للمسيح وإن مت فسأذهب للمسيح ، فالموضوع سيان بالنسبة لي. تركت عبارته أثرا كبيرا في نفسي وانتفضت بشدة عندما سمعتها ، فلم أكن قريب من المسيح مثل صديقي بيشوي بل كانت علاقتي سطحية للغاية ، ولما رأى بيشوي الخوف في عيناي ، أعطاني إنجيله الخاص وقال لي: خذ هذا الإنجيل هو يحفظك ، وأعطاني إنجيل صغير الحجم ، قلت في سخرية : وهل الإنجيل سيحميني من بطش وشراسة ووحشية ورصاصات ومدافع وصواريخ وطائرات الإسرائيليين ؟ قال بثقة شديدة وبصلابة : ( نعم ويجب أن تضعه طوال الوقت في جيبك الأمامي في سترتك ، ضعه على صدرك حتى يحمي قلبك ) ، فوضعته مستسلما لمنطقه ودخلنا للنوم. " هيا يا أبطال ، هيا يا أسود مصر ، هذا هو اليوم الذي ننتظره منذ 6 سنوات ، هذا اليوم الذي سنذيق فيه العدو الويل " قالها القائد بكل صرامة وحماس. وبدأت الحرب وكانت أشبه بالجحيم ، طلقات رصاص وانفجارات ونيران ودمار وخراب وجرحى وجثث في كل مكان ولكن كان من الواضح إننا انتصرنا و... وظهرت فجأة هليكوبتر إسرائيلية من خلف تل صغير ولكننا لم ننتبه إليها إلا وهي تطاردنا أنا وبيشوي وقائدها مصمم على الانتقام وانطلقت الرصاصات علينا كالسيل ونحن نحاول جاهدين أن نهرب منها ولكن رصاصة أصابت قدمي وأخرى أصابت يد بيشوي ووقعت على الأرض وإذا برصاصة تصيبني في صدري ولكنها لم تدخل لقلبي ، فقد احتجزها الإنجيل وغاصت فيه ولم تصيبني بأذى ، ولكن قائد الهليكوبتر رفض الاستسلام ورغم نفاذ ذخيرته ، قرر إطلاق الصواريخ وهذه الهليكوبتر مزودة بصاروخين وانطلق الصاروخ الأول ولكنه أخطأنا وانفجر بعيدا ، وبقى الصاروخ الثاني ورأيت نفسي أنا وبيشوي على الأرض لا حول لنا ولا قوة وطائرة هليكوبتر تحمل لنا الموت في هيئة صاروخ .... لم أنطق ببنت شفة ولكني تذكرت الإنجيل الذي أنقذني من الرصاصة وهو قادر أن يحميني من الصاروخ وأما بيشوي فقد رشم على نفسه علامة الصليب واستعد لمقابلة الموت بكل شجاعة و....وانطلق الصاروخ ، وانفجر وتناثرت الأشلاء و...ولكنها لم تكن أشلائنا ، بل كانت أشلاء قائد الهليكوبتر ، فقبل أن يضغط زر إطلاق الصاروخ بثوان ، أصابته هليكوبتر مصرية بصاروخ وانتهى الكابوس. ( يا لقوة الكتاب المقدس ، استطاع أن يحميني من رصاصات العدو) رجعت أردد هذه الكلمات في قلبي ، إن كان له هذه القوة ألا يقدر أن يحميني من رصاصات إبليس ، ومن يومها عزمت ألا يمر يوم واحد دون أن أقرأ كلمة الله بتمعن وأخذ منها قوة لمواجهة أسهم إبليس. كلا لم تنتهي القصة هكذا ، فبعد أن انتهت الحرب ، انتهى الإنسان القديم الذي كان داخلي ، وولد شخص جديد أدرك عناية الله به وحرصه عليه ، وأن الله تركه يعيش لكي يتوب ويرجع إليه ، وكانت هذه الحرب تحول شديد في حياته وهو ما زال يحتفظ بالإنجيل الذي ما زالت بداخله الرصاصة لكي يتذكر دائما عناية الله به.
خذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله ( اف 6 : 17 )

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers