بحث مخصص

2007-11-18

لكلّ شيء إذا ما تمَّ نُقصانُ


عظة لعازر والغني- الأحد 5ً بعد الصليب
1- استدعى ملكٌ كبيرَ حُكمائه يتحدّاه أن يجد عيبًا في قصره. فقال: العيب أنّ القصر سيندثر يومًا، وأنّ بانيه مائت!
تكشف هذه القصّة أنّ في الإنسان رغبة لأن يستكبر. هذه الرغبة غرستها الحيّة حين قالت لحوّاء: "تصيران آلهة". وعقابًا لهذا التحدّي للألوهة، جعل الله آدم مائتًا: "موتًا تموت".
الغني الذي أخصبت أرضُه رغب في أن يزداد كِبَرًا: "أهدم أهرائي وأبني أكبر منها وأقول لنفسي كلي واشربي". لكن كان الموت عقابه: "الليلة تؤخَذ نفسُك"!
لكنّ الموت لم يُغيّر شيئًا! فالإنسان لا زال يغترّ بغناه. وقد قال شاعر:
لكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نُقصانُ فلا يُغرّ بطيب العيشِ إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتُها دُوَلٌ مَن سرّه زمنٌ ساءتهُ أزمانُ!
متى نسي الإنسان أنّه مائت، يستكبر ويعيش في وهم ويجلب الشقاء لنفسه ولسواه. وقد كتب أحد الأمراء فوق باب قصره: "لو دامت الإمارة لغيرك لما اتصلت إليك"!
2- يُعالج مثَل لعازر مُشكلة الاستكبار، التي هي مُشكلة البشر جميعًا. فيسوع مُحبّ المساكين لا يدين الغنيّ بل يتعامل مع وضعه كنوع من الشقاء. فالاستكبار فقر نفسيّ وخواء روحيّ كبيران، وتحدٍّ لله ومصدر شقاء للذات والآخرين. وكما شفى يسوع المجنون وابنة يائيرس والمنْزوفة، كذلك هو يصف علاجًا لرغبة الإنسان في الاستكبار.
3- هذا المثَل لوحة ذات شطرين: غنيّ يتنعّم ويلبس الأرجوان، وفقير جائع لا يملك حتى جلده. يلبس القروح وتلحسه الكلاب. والغنيّ لا اسم له، فهو ميت في عينيّ الله، لأنّه لم يعمل الخير. أما لعازر فله هويّة واسم، ومعنى اسمه "الذي يُقوّيه الله". وهو "حملته الملائكة إلى أحضان إبراهيم"، بينما الغنيّ "مات ودُفن"!
والحدّ الفاصل يبن شطري اللوحة "هوّة عظيمة" أقامها الغنيّ في قلبه العديم الرحمة لتفصل بينه وبين لعازر، فانتقلت معه إلى الآخرة لتفصله عن الملكوت.
4- وانعكست الآية: الذي كان فوق صار أسفل، والذي مات غنيًّا صار أفقر الفُقراء. والذي كان يتنعّم بالمأكل والمشرب صار يُقاسي العذاب في مثوى الأموات، ولسانه في جفاف واحتراق، وهو يطلب قطرة ماء. الذي كان يلبس الأرجوان صارت تلتهم جسده النيران، والذي كان يسخر من لعازر ويستمتع برؤيته يتعذّب صار يتعذّب برؤية لعازر في أحضان إبراهيم!
بالمُقابل، الذي مات فقيرًا صار أغنى الأغنياء، والمُلقى خارج الأبواب صار داخل أبواب الفردوس. الذي غطّت جسده القروح ألبسه الله حلّة الفرح، والذي كان يشتهي الفُتات شبع من خيرات السماء. والذي الذي كان بلا كرامة عادت إليه كرامة بنوّته لإبراهيم، والذي كان يتوق إلى الحبّ صار ينعم بحنان الأحضان الأبويّة.
5- الغنيّ قُروحه في الداخل، أي شهواته، تلحسُها كلاب التجارب، وعبثًا تُغطّيها الثياب عن عينيّ الله. ورغم أنّ الرجُلين لا يلتقيان، فقد أدان الله الغنيّ بسبب لعازر المطروح عند بابه، يراه ولا يُحرّك ساكنًا. وكان كلّ يوم يقسو بدلاً من أن يرحم، فتتراكم خطاياه حتى صار برجًا من الخطايا. وكان يعرف لعازر بالاسم، ما يزيد في دينونته، وصمت لعازر لا يعفيه من المسؤوليّة.
ولعازر، المنطرح أسفل باب الغنيّ، له مكانة رفيعة عند الله. كانت الكلاب تلحس قروحه، علامة الفقر والألم والمذلّة، لكنّ الملائكة كانت تخدمه. هي حاضرة معه قبل أن يموت.
كان لعازر مُتواضع القلب، مُسلّمًا عذابه لله. كان محبًّا لله، متقبّلاً الألم والإهانة. ورغم عريه كان يلبس من الداخل ثياب البرّ. فهو لم يتذمّر ولم يلعن ولم يحسد ولم يحقد ولم يتمنَّ زوال النعمة عن الغنيّ. ومقابل كبرياء الغنيّ وعدم إحساسه وقسوته وانغلاق قلبه، كان لعازر وديعًا، وقد بقي صامتًا، وقلبه يمجد الله، ولهذا كان الله يعضده ويقوّيه.
6- أمثولة الإنجيل هي أنّ مُتعة العالم زائلة. وإنها لخطيئة كبيرة أنّ نتّكل على الخيرات الزائلة وننسى الله. أما لعازر فلم يُدرك فقط أنّ العالم زائل، بل حوّل حياته وآلامه معبرًا إلى الملكوت.
ويتوجّه الإنجيل إلى جميع الناس ليُفهمهم أنّ سعيهم إلى الاستكبار سوف يؤدّي بهم إلى الهلاك. لأنّ مَن يسعى لتأمين حياته مُتكلاً على نفسه يخسرها، والله وحده هو المانح الحياة والخلاص.
قال الغنيّ لإبراهيم: "لي خمسة إخوة". فحبّ المال هو علّة في أسرته كلّها! ويقول: "إذا مضى إليهم واحد من الأموات يتوبون". هنا يُدرك الغنيّ أنّه لا توبة بعد الموت. وكلامه يدلّ أنّه يعرف أنّه كان عليه أن يتوب!
الآن أدرك المصير المحتوم الذي ينتظر إخوته! أجابه إبراهيم: "عندهم موسى والأنبياء"، أي عندهم كلام الله. هذا الكلام عينه يجب أن نتّعظ به اليوم، وهو كافٍ لأجل خلاصنا.
7- الغنيّ نال خيراته في حياته، ولعازر نال بلاياه. والآن، هو يتعزّى والغنيّ يتعذّب، لأنّه ليس عند الله ظلم. أين الخدَم والحشَم، أين الجاه والمال والطعام؟ اللذة تبدّدت والعظمة تبخّرت، والغنيّ لا يملك في النهاية سوى نفسه الشقيّة التي خسرها على الأرض قبل أن يخسرها في الآخرة.
8- الغريب أن النصّ لا يقول إنّ الغنيّ ارتكب أيّ خطيئة. لكنّ دينونة الله وقعت عليه بسبب إهماله في المحبّة وتقصيره في عمل الخير. والغريب أيضًا أنّ الله شفى المجنون وأقام ابنة رئيس المجمع وأبرأ المنْزوفة. لكنّه في لم يُحرّك ساكنًا تجاه شقاء لعازر! لكنّ هذا لا يعني أنّ الله لا يكترث لشقاء البشر، بل إنّ عدالته تتحقّق في النهاية، حتى في الحياة الآخرة

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers