يومها كنت أتابعه بكل شغف مع اخوتي الملائكة ، راقدا بوجهـه الجميـل في ذاك الـمــزود ينظر لأمه التي هي من بنات البشـر ، خليقته ، بكل حب. كنا نراه ولأول مـرة في هيئـته المتجسدة ، كنت أنظر له نظرة يملؤها الحب والإعجاب ، فهذا هو إلهي الذي أعرفه وأحبه يولد من بشر ! القوي ، الجبار ، القاهر في الـحـروب ، مـلـك المـلوك ، رب الأربـاب يولد من بشر !! وأين ؟؟ في مزود للبقر ! كنت أسمع الناس في الأرض يتوقعون مجيئه ولكن من ملك أو أمير أو كاهن ولكن أن يقال عنه إنه ابن النجار؟ كنت أظن هذا هو منـتهـى الحب ، أن يولد الإله من بني البشر فقط ليخلصهم ، ولكن حياتـه على الأرض كانت تعلن لي اليوم وراء الآخر ، إنه لا نهاية لحبه ، لا حـدود لحنانه ، فعنــد ولادته أرى ملكا تافها يدعى هيرودس يحاول قتله ، يحاول قتل الحي إلي الأبد. أكملت استعدادي أنا وأخـوتي المـلائكة لنـتـدخل إذا ما شـاء الله تدخلـنا لنعـاتب هذا القاسـي المتمرد ونجازيه جزاء كفره وعصيانه ولكـن الله لم يـسـمـح لنا بالتدخـل ، لـقد كان يعـلم إنه سيواجه أعداء كثيرين له على الأرض ، وكـيف إن عدو الخير قد استطاع بسط نفوذه عليها ، كنا نراه يعطش ويجوع ويبكي ويصوم . كانـت المـؤامـرات تـنسـج من حـولـه وهـو يـعـرف كـل هـذا حتى جاء اليوم الرهيب عندما قبضـوا عليـه وحاكموه وضربـوه وأهانوه وعندما ربطوه إلى عمود وانهالوا عليه بالسياط ضربا ، لم أستطع أن أسكت وكدت أتدخل أنا واخوتي الملائكة ولكن نظرة منه إلى السماء وهو على الصليب معلقا وهمسات من فمه الذي ذاق الخل تنادى : " يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " كل هذا جعلنا نثبت في أماكنا ، جعلـتنا نغمـض أعيننـا ولكـن حيـن مات سمعنا ضجة عظيمة في السموات ، وصوت تحطم الأبواب النحاس التي كانت تحبس وراءها أرواح الآباء الأولين ، سمعنا صوت السـلاسـل تربـط الشريـر وتعلـن انتصـار رب المجد عليه ، سمعنا الهتاف : قام رب المجد ، كسر شوكة الموت ، قام وانتصر. وقتها عرفت لماذا احتمل كل هذا العذاب ، لماذا احتمل 33 عاما من الذل والهوان ؟ لماذا احتمل الضرب والجلد والشتيمة والبصق ، لماذا احتمل الصلب والموت ؟ لأنـه أحب الإنسان ، أحب الإنـسـان بلا حـدود ، بلا شطآن ، أحـب الإنـسان حتـى بـذل ابـنـه الوحيد ذبيحة على الصليب ، وقتها رحت أقول : قدوس قدوس قدوس . لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية ( يو 3 : 16 )
2008-08-14
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق