كانت عشية عيد ميلاد قارسة البرودة عام 1952 فى كوريا. وكانت هناك أمٌّ حامل صغيرة السن، تُدعى باك يوون، قُتِل زوجها في الحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يكن لديها أحدٌ آخر تتَّجه إليه، فراحت تعرج فوق الجليد متجهة إلى منزل صديقة مسيحية طيبة اسمها مس واطسن، حيث كانت تعلم أنها ستجد المعونة. وقد تجمَّدت دموع الحزن على وجنتيها، إذ وجدت نفسها وحيدة وحزينة.
وكان هناك فى الطريق بالقرب من منزل صديقتها الطيبة قناة عميقة يربط ضفتيها جسر، وبينما باك يوون تتعثر قدماها متجهة إلى منزل السيدة الطيبة، فاجأتها آلام المخاض بشدة. فوقعت وأدركت أنه لن يمكنها مواصلة طريقها مرة أخرى، فزحفت حتى نهاية الجسر. وهناك ولدت بمفردها وهي وحيدة، وكان طفلها الذي ولدته ذكراً.
لم يكن لدى باك يوون أى شيء غير ملابسها الثقيلة المبطَّنة التى ترتديها. فأخذت تخلعها قطعة بعد الأخرى وتلفها حول المولود، الذي كان لا يزال مرتبطا بها بواسطة حبل السُّرَّة. وبعد ذلك داهمها الإعياء فرقدت ساكنة على الجليد بجوار ابنها الوليد.
فى صباح اليوم التالى، كانت مس واطسون، السيدة المسيحية الطيبة التي لها مدة طويلة فى كوريا، تقود سيارتها عَبْرَ ذلك الجسر ومعها سلة ممتلئة بالأطعمة كهدية عيد الميلاد لإحدى العائلات المحتاجة. وفى طريق عودتها للمنزل، ولدى اقترابها من الجسر، إذ بالسيارة تقف وذلك بسبب نفاد البنزين.
خرجت مس واطسون من السيارة وبدأت تعبر الجسر سائرة على قدميها، وإذ بها تسمع صوت صراخ طفل ضعيف. توقفت للحظة لتتأكد من ذلك الصوت، وإذ بها تسمع الصرخة الخافتة مرة أخرى وكأنها صادرة من تحت الجسر! زحفت مس واطسن تحت الجسر لتبحث عن مصدر الصوت، وهناك وجدت ولداً صغيراً مُقمَّطاً، كان جسمه دافئاً ولكنه جائع، ووجدت أُم ذلك الطفل متجمدة حتى الموت. وبعد أن قطعت حبل السُّرَّة، أخذت الطفل معها للمنزل. وبعد أن اعتنت به عادت ومعها بعض المعاونين، حيث حملوا جثمان الأُم باك يوون إلى قرب المكان الذي كانت تعيش فيه، حيث دفنوها.
أطلقت مس واطسون على المولود اسم ”سو بارك“، وتبنَّته. كان قوياً وبصحة جيدة، وهكذا نما وسط الكثير من الأطفال اليتامى الآخرين الذين كانت مس واطسون ترعاهم، ولكن سو بارك كان ذا منزلة خاصة لديها.
وكثيراً ما كانت تقول له: ”والدتك أحبتك حبّاً عظيماً يا سو بارك، وقد برهنت على حبها العظيم لك بأنها ماتت متجمِّدة لأنها خلعت ثيابها لتلفك بها“. لم يملَّ هذا الصبي أبداً من سماع هذا الكلام مراراً وتكراراً عن أمه التي أحبته بهذا المقدار حتى حفظته من الموت للحياة.
وفى يوم عيد الميلاد الموافق لعيد الميلاد الثانى عشر لسو بارك ، كان الثلج يتساقط. وبعد أن احتفل الأطفال بعيد ميلاد سو بارك، ذهب فجلس بجوار مس واطسون وقال لها متسائلاً: ”هل تعتقدين أن الله سمح أن سيارتك تفرغ من البنزين ذلك اليوم حتى يمكنك أن تجديني“؟
فأجابته قائلة: ”بالتأكيد هو فعل هذا، لأنه لو لم تتعطل السيارة يومها ما كنتُ قد وجدتك. ولكننى مسرورة جداً أنها توقفت يومها. فأنا أحبك كثيراً كما أننى فخورة جداً بك يا سو بارك“. ثم أحاطته بذراعيها.
أسند سو بارك رأسه عليها وقال: ”ماما واطسون ، هل تسمحين وتأخذينني إلى مقبرة والدتي؟ فأنا أريد أن أشكر الله من أجلها، وأشكرها أيضا لأنها وهبتني الحياة“.
فقالت له: ”نعم، ولكن ارتدِ معطفك الثقيل، فالجو شديد البرودة“.
وبجوار المقبرة، طلب سو بارك من ماما واطسون أن تتركه وحده وتنتظره بعيداً. فمشت بعيداً وانتظرت. وإذا بماما واطسون تملأها الدهشة وهى تراقب الغلام من بعيد وقد بدأ يخلع ملابسه الدافئة قطعة بعد الأخرى. ظنَّت أنه بالتأكيد لن يخلع كل الملابس! لأنه حتماً سيجمد. ولكن الغلام نزع عن نفسه كل شئ، ووضع جميع الملابس على قبر والدته، ثم ركع عارياً على الجليد وهو يرتجف بشدة من البرد. انتظرت مس واطسن دقيقة ثم دقيقتين. ثم بعد ذلك تقدمت ووضعت يدها على كتف الصبي.
نظر سو بارك إلى مس واطسن، ثم انحنى نحو القبر، وفى حزن عميق صرخ الغلام من أجل والدته التي لم يعرفها على الإطلاق: ”هل بردتي هكذا، بل وأكثر من هذا من أجلي يا أُمي“؟ ثم بكى بمرارة، لأنه عرف بالطبع أنها عانت أكثر من ذلك لكي يحيا هو ولا يموت.
+ «فإن المسيح أيضاً تألم مرةً واحدة من أجل الخطايا، البارُّ من أجل الأَثَمَة، لكي يُقرِّبنا إلى الله، مُماتاً في الجسد ولكن مُحْيىً في الروح» (1بط 3: 18).
+ «فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح، أنه من أجلكم افتقر وهو غنيٌّ، لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كو 8: 9).
+ «ليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً. الذي إذ كان في صورة الله، لم يَحْسِب خُلْسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شِبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب» (في 2: 5-8).
+ «الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعدُ خطاة، مات المسيح لأجلنا» (رو 5: 8).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق