بحث مخصص

2014-10-15

سجين



رجعت من عملي متأخرا في ليلة عيد الميلاد وقد كنت أعمل مديرا لأحد السجون في مدينة ( ميتشجان ) بأمريكا ، وكنت أسرع لأشتري هدايا العيد لابنتي الصغيرة ، وكان البرد شديدا ، لكني لمحت شبحا يتسلل في ظل جدران السجن فوقفت وتعجبت عندما رأيت فتاه صغيرة تلبس ثوبا خفيفا وشبشب في رجليها وتحمل علبة صغيرة.
فقلت لها : ماذا تطلبين ؟ فقالت : هل أنت يا سيدي مأمور السجن ؟ قلت : نعم ، ولكن لماذا لا تمكثين في بيتك في هذا الوقت المتأخر ، فقالت : يا سيدي ليس لي بيت ، فقد ماتت أمي منذ أسبوعين في دار الفقراء وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ، قالت لي : إن أبي توم في السجن ، فهل تسمح لي برؤيته وتقديم هدية عيد الميلاد له ؟
قلت لها : كلا ، عليك أن تنتظري يوم الزيارة ، فقد تعودت أن أكون صارما معتقدا إن منصبي يفرض علي أن أتجرد من المشاعر الإنسانية وتعودت أن أرى نظرات الحقد والكراهية تنطلق من طابور المحكوم عليهم بالإعدام دون أن يهتز لي جفن و قد كان توم هذا من أعنف المجرمين وسبب لنا متعب كثيرة.
ولكن الفتاة لم تستسلم بل قالت لي والدموع في عينيها : يا سيدي ، ضع نفسك مكاني وافرض أن أبنتك الصغيرة كانت مكاني وأمها ماتت وليس لها مأوى ولا من يعطف عليها وأبوها في السجن وأنا (أي الفتاة) كنت مأمور السجن وجاءت ابنتك ترجو رؤية والدها وتقديم هدية عيد الميلاد ، فهل تظن إني كنت سأرفض ؟
في هذه اللحظة تحركت في مشاعري الجامدة وقلت لها : سأسمح لك ياابنتي وأمسكت بيدها التي ترتجف من البرد وطلبت ( توم ) السجين 37 وما أن رأى ابنته حتى قال لها غاضبا : لماذا جئت إلى هنا ؟ اذهبي لأمك .
بكت الطفلة وقالت له : أمي ماتت ، وأوصتني بأخي ( جيمي ) الذي تحبه يا أبي ولكن ... 
ولكن مات ( جيمي ) أيضا لذلك فكرت أن أحضر لك هذه الهدية ذكرى من أخي الذي تحبه وفتحت العلبة وهي تحمل خصلة جميلة من شعر( جيمي ) الأصفر.
هنا شهق ( توم ) الأب وبكى واحتضن طفلته الصغيرة وهو يهتز من الانفعال وأنا أراقب الموقف ودموعي تسيل وأنا أرى هذا الوحش الكاسر ( توم ) يأتي منكسرا ويقول لي : يا سيدي ، ليس معي نقود ولا شئ أعطيه لابنتي غير ثوب السجن ليستر جسدها من البرد القارص ومقابل ذلك سأعمل من الصباح الباكر حتى منتصف الليل وستجدني إنسانا آخر.
قلت له : كلا يا توم ، سأخذ ابنتك لبيتي وستهتم بها زوجتي حتى تخرج أنت من السجن ، أما توم فلم يصدق نفسه .
وعاشت معي كابنتي وعلمتني الكثير ، لكن أهم درس تعلمته أن أضع نفسي مكان الآخرين.
ومرت الأيام وصدر الأمر بالعفو لـ ( توم ) لحسن سيره وسلوكه بعد أن قضى مدة من العقوبة وأصبح إنسانا آخر بسبب حب ابنته وعاد لبيته وكرس حياته لإسعاد ابنته الوحيدة.
وقد تركت هذه الحادثة في أثر لا يمحى بعد أن أدركت إن كل إنسان مهما بدا شريرا له قلب ومشاعر تظهر إن وجد من يشعر به ويقدم له محبة وتحولت أنا أيضا لإنسان آخر أضع نفسي مكان الآخرين في كل موقف متذكرا قول السيد المسيح : 
كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضا بهم.

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers