إستقبلت الكرة الأرضية فصل الشتاء الذي هب برياحه وعواصفه ليجبر كل نفس بشرية على الإختباء في البيوت والمباني, وكأن الطبيعة سيطرت على ليل الشتاء وأصبحت هي سيدة الموقف, فلا أحد يسير في الشوارع ولا يمر, وتتوقف الحياة لساعات قليلة حتى تظهر الشمس تأخذ بيد البشر وتخرجهم مرة ثانية إلى الحياة.
وفي وسط ذلك الموقف المهيب وُجد على الرصيف بقرب سجن ما, رسالة في ظرف محكمة الغلق, أما عن ما تحتويه كان الآتي:- "إلى أبي العزيز... نقبل الأيادي بادي ذي بدء.. أفتقدك كثيراًَ يا أبويا الحنون.. كم أشتاق لأن أتكلم معك فكلماتك الحكيمة الرشيدة لازالت في أذني حتى أخرها التي قولتها وأنت في يدك القيود.. عندما قلت لي (لا تخف يا بني من الذين يقيدون يديك بل روحك لا أحد يستطيع أن يقيدها.. هكذا روحي ستظل تقطن كنيستنا وإن كنت بعيداًَ عنها ولا أستطيع الذهاب إليها).
ولكن ظلت الأفكار متزاحمة في ذهني والتساؤلات عن حالك هناك .. كيف تقضي أيامك وسنونك يا أبي؟! هل تجد مكان تصلي به بمفردك؟ هل تأكل وتشرب ام تصوم كل الوقت كعادتك؟ هل تجد من تكلمه وتعظه أنا أعلم إنك صاحب لسان ذهبي.
ماذا عن أدويتك يا أبي الحبيب فهل هناك من يعطيك الحقن التي يجب أن تأخدها.. ماذا عن البرد القارس.. لم أستطع النوم ليلة أمس وانا أتخيل إنك نائم بلا غطاء وجسدك لا يحتمل تلك الآلام!! ولكن تأملت الطبيعة تلك الليلة وكأنها تثور لك يا أبي, فالرياح كانت تصرخ بأعلى صوت تعترض على قيودك! وولدت العواصف فالأمطار لتغسل الخطايا التي تعكرت بها الكرة الأرضية وقلت "حقاًَ أيتها الطبيعة فأنت أصدق شاهد وإن غاب الحق في أيامنا تلك, فأنت خير ثائر في زمن غاب فيه ثوار الحق!".
حاولت الوصول لك قبل أيام ولكن لم أتمكن.. لكني قابلت شخص قال انه أصبح صديقك, وقال لي إنك بخير هل هذا صحيح يا أبي؟ وحكى لي انه كان ضائعاًَ وإرتكب كثير من الأخطاء في حياته وكان بعيداًَ عن الكنيسة ولكن روى لي كم كنت تجلس تكلمه عن المسيح وقصة فدائه المُحبة لنا! وكيف أنقذت حياته في يوم من أيام سجنكما وكانت تلك هي بداية معرفته الحقيقية بسفير المسيح الذي على الأرض!!
ولكن الغريب يا أبي العزيز إني بعدما تركت ذلك الرجل لمحت من ورائه شخص يشبهك لكن بلا لحية ووجهه يعتليه جرح او ما شابه ذلك!
ولكنه في نفس هيئتك وعيناه تشبه عيناك.. كان ينظر إلىّ من بعيد وإبتسامة خفيفة زينت وجهه؟؟ تُرى من هذا يا أبي؟
لقد زاد القلق في قلبي تجاهك.. أعلم وكلنا نعلم إنك في حياتك لم ترتكب إثماًَ بل دائماًَ كنت ملاكاًَ يحب ويخدم ويعطي ونفسه هي أخر من يتذكرها ولكن كما قلت اننا نحيا في أرض الشقاء ولكن المسيح عزاء لأنفسنا.. سأنتظرك كل يوم تعود, فاسمع صوتك في القداس صباحاًَ.
لن أفقد الأمل فسوف تعود إن لم يكن اليوم او غداًَ فهناك بعد غد وبعد وبعده..سأنتظرك إلى أخر الزمان, أعلم انك ستعود حقاًَ ستعود.
إبنك الروحي في الكنيسة الذي عمدته ورشمته شماساًَ وكللته يوم عرسه وستعمد أولاده.. لا تنسى أن تذكره في صلاتك".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق