جاءت تريز إلى والدتها إيريني وكانت في حزن شديد، فقالت لها الأم: - لماذا أنت حزينة يا تريز؟
- منذ ساعات كنت ثائرة جدًا يا أمّاه. وفي ثورتي تحدثت مع صديقتي المحبوبة لديّ جدًا في شيء من عدم اللياقة. أخشى أن تكون قد غضبت! لقد أحسست إنني مخطئة في حقها، أريد أن اعتذر لها
- يليق بنا يا ابنتي أن نتعلم ألا ننطق بكلمة، ولا نتصرف بعجلة، بل نفكر عشرة مرات، ليصدر تصرفنا في حكمة واتزان.
أما إن كنا في حالة غضب، فننتظر مائة مرة.
ألم تسمعي عن قصة الملك العظيم والقائد الجبار جنجز خان الذي قاد جيش الصين وإيران وغلب في معارك كثيرة، فاتسعت مملكته لتضم شرق أوربا حتى بلغت بحر اليابان (حوالي 1162-1226)، لقد انهزم أمام غضبه ليعيش حزينًا!
- ما هي قصته يا أمّاه؟
روت الأم إيريني قصة الملك لابنتها فقالت: لم يظهر قائد عظيم مثل جنجز خان منذ أيام الإسكندر الأكبر. في أحد الأيام إذ كان في قصره بعد دخوله في عدة معارك وقد حالفه النصر على الدوام، أراد أن يمارس رياضته المحبوبة لديه وهي الصيد. فأخذ معه أصدقاءه الذين امتطوا الخيل وحملوا الأقواس والرماح، وجاء خلفهم العبيد مع كلاب الصيد. انطلق الكل معًا، ودخلوا وسط الغابات وهم يتسامرون ويغنون ويصرخون ويضحكون. وكان يقف على معصم الملك صقره الخاص المُدرب على الصيد. كان يأمره فيطير على مسافاتٍ عالية، فإن رأى غزالاً أو أرنبًا وحشيًا ينقض عليه بسرعة كالسهم. سار الكل في الغابة ولم يجدوا صيدًا كما كانوا يتوقعون. قبل الغروب سار الملك بمفرده في طريقٍ بعيد بين جبلين، وكان الجو حارًا، وعطش الملك جدًا. طار الصقر عاليًا بينما لاحظ الملك قطرات ماء تتساقط ببطء شديد من ينبوع في أعلى الصخرة. أمسك الملك بكوبه يجمع الماء نقطة فنقطة حتى امتلأ الكوب، وإذ رفع يده ليشربه، فجأة سمع الملك صوتًا عاليا في الهواء واهتزت يده بقوة وسقط الكوب على الأرض. تطلع الملك ينظر ماذا حدث، فإذا به يرى صقره قام بهذا الدور، وعاد يطير في الجو! امسك الملك بالكوب ليجمع من جديد قطرات الماء البطيئة جدًا. لم يستطع الملك أن ينتظر حتى يملأ الكوب، إذ كان في ظمأ شديد فرفع الكوب ليضعه بين شفتيه، وإذا بالصقر يكرر ذات الحركة فسقط الكوب على الأرض، وغضب الملك جدًا!عاد الملك للمرة الثالثة يجمع قطرات الماء، وكرر الصقر ذات الدور أيضًا!غضب الملك جدًا وصرخ محدثًا صقره: "كيف تجاسرت لتفعل هذا ثلاث مرات؟ إن عدت وصرت بين يدي فسأقطع رقبتك!" ملأ الملك الكوب للمرة الرابعة، وقبل أن يحاول شرب الماء استل سيفه وقال: "الآن أيها السيد الصقر، إنها الفرصة الأخيرة وإلا أتيت برقبتك!" لكن قبل أن ينهي كلماته كان الصقر قد كرر ما فعله للمرة الرابعة، وبسرعة البرق ضرب الملك رقبة الصقر، فسقط الطائر ميتًا تحت قدمي الملك. تطلع الملك إلى صقره المحبوب لديه وقال: "لم أكن أود أن أقتلك، لكن هذا جزاء فعلك. لقد حذرتك مرارًا ولم تنصت!" أراد الملك أن يملأ الكوب لكنه وجد الكوب قد تدحرج إلى هوة لا يقدر أن ينزل إليها. وفي إصرار قال الملك سأشرب من ماء الينبوع بيدي. ثم بدأ يتسلق الصخرة ليبلغ الينبوع وكان قد ازداد ظمأه جدًا. وجد الينبوع وقد تجمعت حوله المياه التي تتساقط لكنه لاحظ وجود حيَّة سامة وخطيرة تنفث سمومها في الماء. نسي الملك ظمأه، وتساقطت الدموع من عينيه متطلعًا نحو صقره الأمين الذي بذل كل الجهد لكي ينقذ صاحبه من الماء المملوء سُمًا. صرخ الملك: "عزيزي الصقر الأمين، لقد أنقذت حياتي، أما أنا ففي غضبي تصرفت بحماقة! أنت أعظم صديق لي، وأنا بغضبي قتلتك! لقد تعلمت اليوم درسًا لن أنساه:إنني لن أفعل شيئًا في غضبي!"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق