العظة الثامنة
للقديس يوحنا ذهبي الفم
إذا كنت قد تغيبت عنكم, فهذا شيء ما كنت أريده, ولكني كنت مجبراً على ذلك ـ إلا أن غيابي كان بالجسد فقط وليس بالروح. بالجسد كنت بالتأكيد بعيداً عنكم, ولكن روحي لم تنفصل عنكم قط, فالروابط التي توثقت بيننا كانت تعتمل فيّ بكل قوتها, وصورتكم ظلت محفورة في قلبي.
لقد كنت متلهفاً يا إخوتي أن أجوز هذه الوعكة المؤقتة لكي أراكم ثانية بأكثر سرعة, مع أنه لا يزال يتبقى فيّ بعض الآثار من مرضي فإنني أسرعت إليكم حتى ألتقي ثانية بمحبتكم ومودتكم.
إن كان كثيراً ما يستعين المرضى في فترة النقاهة بعلاج الحمامات, فأنا من جهتي فضّلت أن أغطس ثانية وبسرعة في حمّام المحبة الذي تقدّمونه إليّ, وألبّي رغبتكم المقدسة لسماع الكتب الإلهية ـ هذا المحيط الواسع الذي لا تعرف أمواجه العواصف أو الحزن.
لقد أتيت لأرى أرضكم من الآن فصاعداً نقية. هل يوجد ميناء سلام مشابه للكنيسة, وهل هناك فردوس (مملوء بثمر البر) مثل اجتماعكم. نحن هنا نجد الملجأ الأمين من كل خبث الشيطان, هنا المسيح يثبتنا في أسراره.
لن تُرى عنا حواء الساقطة في التعدي, ولكن ستُرى الكنيسة باذلة جهدها لترفعنا إلى فوق.
لا توجد هنا أوراق شجر, ولكن فقط ثمار الروح الشهية لا يوجد هنا شوك وحسك, ولكن كرمة خصبة وعصارة حياة. وإن وُجد فيها شوكة, سأحولها في الحال إلى زيتونة. ماذا يهمنا من ضعف الطبيعة هنا حيث تسود الحواس السائبة, فإن قابلت ذئباً حوّلته إلى خروف ليس بتغير طبيعته لكن بتهذيب حواسه.
الكنيسة شبيهة بفلك نوح:
من الممكن أيضاً أن نؤكد دون مبالغة أن الكنيسة ميناء أعظم حتى من فلك نوح. لأن فلك نوح استضاف الحيوانات العجماوات وحفظ حياتها سالمة, بينما الكنيسة وهي تقدّم لهم الملجأ تحوّلهم إلى جدة الحياة. سأوضّح لكم هذا:
تخيلوا مثلاً صقراً دخل إلى الفلك فإنه سيخرج صقراً كما هو, وكذلك الذئب إن دخل فسيخرج ذئباً كما هو, ولكن إن دخل الكنيسة صقر فعلى العكس سوف يخرج حمامة وديعة, وأيضاً الذئب إن دخل الكنيسة سيخرج خروفاً هادئاً, والحية ستخرج حملاً وديعاً. إذن فالكنيسة لا تعمل على تحويل طبيعة الكائنات ولكن تنتزع منهم الشر.
منفعة التوبة:
هذا هو السبب الذي لأجله أحدّثكم باستمرار عن التوبة. حقاً أنها تسبب خوفاً وضيقاً للخاطئ, ولكنها ترياق صالح تعالج فيه علل الخطايا, وهي تفتديه من آثامه. ومقابل الدموع الغزيرة تجعل لـه دالة عند الله, فهي سلاح مخيف ضد الشيطان, نصل بتّار قادر على الاستئصال, فالتوبة تمنحنا الرجاء في الخلاص, وهي عدوّة لليأس, هي التي تمنحنا مفاتيح السماء, وهي التي تسمح لنا بأن نصل للفردوس وهي إلى النهاية تنتصر على الشرير وتقوي رجاءنا في الأفلات منه (وهذا هو الدافع الأساسي والسبب الحقيقي الذي من أجله أحدثكم الآن عن التوبة).
أأنتم خطاة. لا تيأسوا فأنا أصر على أن أقدم لكم الرجاء كدواء وكأفضل علاج لضعفكم, لأني أعرف إلى أي مدى يمكن للثقة المستمرة والرجاء في الله أن تكون سلاحاً فعالاً مقابل الشيطان. لن أكف من أن أكرر لكم أنه إذا أخطأتم لا تستمروا في اليأس. إن أخطأتم كل يوم فتوبوا كل يوم.
أسألكم سؤالاً فقولوا لي ماذا نفعل عندما تتهدّم مبانينا القديمة. إلا نضع جانباً الأشياء المتهدمة لنقيم بدلاً منها الجديد. ولا ندّخر الجهد في بذل كل اهتمامنا لهذا التعمير. فليكن لنا مثل هذا بالنسبة لأنفسنا, فإن خضعتم للخطية فجددوا أنفسكم بالتوبة.
ستقول لي: كل حياتي وأنا واقع تحت سطوة الخطية وأنت تقول لي الآن إذا أنت قدّمت توبة فستجد الخلاص والعتق.
- نعم بكل تأكيد.
وإذا سألتني: من أين لك هذه الثقة
أقول لكم: من مراحم الله تجاه البشر. لا تفتكروا أنني أبني ثقتي هذه فقط على توبتكم, لأني أعرف أنها لا تقوى على طرد كل الشرور من القلب. إذا كانت لا توجد غير التوبة فقط لكان يحق لكم أن تكونوا قلقين. أما إذا كان صلاح الله هو أساس اعتمادنا, فيجب أن تثقوا. فمراحم الله نحونا لا نهائية، بل أقول أيضاً إنها تفوق كل تعبير.
إن ضعفاتكم محدودة أما علاجها فليس لـه حدود. حتى وإن كانت أخطاؤكم لا تُحصى فهي لا تزيد كونها أخطاء بشرية. وهي لا تُقاس إزاء صلاح الله اللا نهائي. فلتكن لكم ثقة في الله, لأن التوبة ستنتصر على رذائلكم.
تخيلوا شعلة سقطت في البحر ـ هل يمكنها بعد ذلك أن تظل مشتعلة. إن خطاياكم ستتلاشى عندما تتلامس مع صلاح الله مثل انطفاء الشعلة إذا لامست الماء, بل إن المحيط رغم اتساعه فهو لـه حدود, أما المراحم الإلهية فهي غير محدودة.
الرذائل تُقتلع قليلاً قليلاً:
لا أقصد علىالإطلاق بمثل هذا الكلام أن أسقطكم في السلبية, لكني على العكس أحثكم على مزيد من الاجتهاد. مرات عديدة حذرتكم من التردد على المسارح وأنتم سمعتم هذا الكلام ولم تلتفتوا إلى نصائحي, بل ذهبتم للمسارح دون أن تعيروا أي اهتمام لتوصياتي لكم, ولكن لا تخجلوا من العودة هنا مرة أخرى لتسمعوني.
ستقول لي: لكني قد سمعتك سابقاً ولم أطعك. فما الفائدة من العودة هنا؟
أنتم إذن تعترفون بأنكم سخرتم من نصائحي وهوذا أنتم خجلتم وخزيتم. أنتم بصعوبة تخفون انزعاجكم بينما لا أحد يوبخكم. إذن فكلماتي لا تزال محفورة في نفوسكم, وحتى في غيابي فهي تعمل فيكم. أنتم لم تحفظوا نصائحي وهو ذا أنتم الذين تلومون أنفسكم فبسبب ذلك قد تناقص ذنبكم إلى النصف. لأنه مع أنكم قد احتقرتم نصائحي, فأنتم قد اعترفتم بخطاياكم بمجرد قولكم: أنا لم أتبع نصائحك. إنني أعتبر أن كل من لام نفسه بأنه قد سقط عن الوصية هو الآن على الطريق الصحيح.
هل لكم نظرات خاطئة تلومون أنفسكم عليها؟ هل ارتكبتم خطأ؟ هل سحرتكم زانية؟ هل بمجرد خروجكم من المسرح وتذكركم ما سمعتموه. أتشعرون بالخزي حينئذ تعلوا ها أنتم متضايقون؟ تضرعوا إلى الله وللوقت تقومون.
تقول: الويل لي لقد سمعت تحذيراتك ولم أعرها أي اهتمام, فكيف أستطيع العودة إلى الكنيسة؟ كيف أستطيع من جديد أن أسمع كلامك؟
ولكن هنا بالذات يوجد سبب أكبر لكم لكي تعودوا وتنضموا إلينا من حيث أنكم خالفتم. فالآن ستسمعونني مرة أخرى وسأعطيكم نصائحي وفي هذه المرة ستعملون بها. لو أن الطبيب وصف لكم دواء لم يأت بعد بالنتيجة المرجوة. ألا تعتقدون أنه يقدمه لكم مرة أخرى في الغد؟
تخيلوا حطّاباً: إنه يأخذ بلطة لكي يقطع بلوطة فيبدأ بقطع الجذور. إن لم تقطع الشجرة من الضربة الأولى فهو لن يتردد من الضرب ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة إن احتاجت. افعلوا أنتم بالمثل: إن بلوطتكم لهي شجرة عقيمة وثمارها لا تخدع إلا الحيوانات الغبية. تلك الشجرة هي الزانية. إنها قد تأصلت منذ وقت طويل داخل فكركم ولقد غلقت ضمائركم بحبائلها.
إن كلماتي تشبه البلطة ـ لقد سمعتم كلماتي مرة ولكن هل تعتقدون أن الشيء الذي تأصل منذ وقت طويل يمكن أن يسقط بضربة واحدة؟ أتجدوه أمراً غريباً أن يسقط في المرة الثانية أو الثالثة أو المرة العشرين أو حتى بعد ربوات من المرات؟؟ إطلاقاً.
الشيء الوحيد الذي يهم هو أن تهدموا هذا الانعطاف الرديء الذي التصق بكم كعادة خبيثة. إن اليهود اغتذوا بالمن وطالبوا ببصل مصر ـ لقد كانوا يقولون باكين: ’’لقد كنا سعداء في مصر‘‘ هذا الوضع المحزن والوضيع للغاية لم يكن سوى تعبير عن عادة سيئة. فافهموا حسناً أنه لا يكفي أن تسلكوا سلوكاً لا غبار عليه لمدة عشرة أو عشرين أو ثلاثين يوماً حتى أرفعكم فوق السحب وأهنئكم وأقبلكم. ولكن الشيء الأهم بالنسبة لي هو ألا تسقطوا في اليأس, وكل ما أطلبه منكم هو أن تشعروا بالخجل وأن تلوموا أنفسكم.
الخطأ وعلاجه:
منذ فترة حدثتكم عن المحبة, فبالرغم من أنكم سمعتموني إلا أنكم مضيتم وسلبتم الآخرين ولم تعملوا بوصيتي ـ لا تترددوا مع ذلك في العودة للكنيسة اخجلوا من أخطائكم وليس من توبتكم, وافهموا جيداً ما هو عمل الشيطان الذي يحاول أن يعمله فيكم.
فنحن أما شيئان : الخطية والتوبة. الخطية هي الجرح الذي تحمل لـه التوبة العلاج. إن ما يوجد للجسد يوجد أيضاً للروح. فكما للجسد توجد جروح وأدوية. هكذا أيضاً للروح فلها خطايا كالجروح وأيضاً التوبة كعلاج. فبينما الخطية يقابلها الخزي فإن التوبة يجب أن تكون مصحوبة بالثقة (في محبة الرب لرجوع الخاطئ).
تابعوا شرحي أتوسل إليكم ـ لأنه إذا فقدتم متابعة كلامي هربت فائدته منكم. نحن إذن لنا جرح ودواء, الخطأ والتوبة. الجرح هو الخطأ والعلاج هو التوبة. الخطأ يسبب نوعاً من الغرغرينا بينما التوبة توقفه. الخطية تزيد هذه الغرغرينا وتغطي المريض بالعار والخزي. التوبة على العكس مصدر للثقة والحرية والتطهير. انتبهوا لذلك, الخجل رد فعل للخطية, والثقة ملازمة للتوبة. هل أدركتم ما أريد أن أقوله. إن الشيطان يقلب الأمور ويربط الثقة بالخطية والخزي بالتوبة.
سأشرح هذه المسألة, لن أمل من الكلام حتى لو كان عليّ أن أتابع حديثي حتى المساء, سأعالج هذا الموضوع ولن أتهرب منه. نحن إذن أمام جرح مماثل للغرغرينا وعلاج ودواء يهدف إلى التطهير من هذه الغرغرينا. هل الدواء هو الذي يُنشئ الفساد وهل الجرح هو الذي يسبب الشفاء. هذه الأسباب وهذه النتائج أليست هي مرتبطة بحسب ترتيبها الطبيعي؟ هل تظنون أنها قابلة للتبديل. طبعاً لا. فلنصل إذن لمشكلة النفس المدنسة بالخطايا, وأما اختصاص التوبة هو الثقة والتعقل والاستقامة ’’حاسب نفسك لكي تتبرر‘‘ (أم18: 17) إن الشيطان يعلم أن الخطية تلد إحساساً بالخزي يكفي لأن يقتاد الخاطئ إلى الطريق المستقيم, وأن التوبة تلد إحساساً من الثقة كفيل بأن يجتذب التائب. لذلك فإنه يعمل على أن يقلب الوضع لكي يربط التوبة بالخزي ويربط الخطية بالثقة.
سأعطيكم مثالاً لذلك:
رجل أُمسك بشهوة مستعرة لزانية, فيتبعها كما لو كان أسيرها, ويدخل لديها ودون أدنى إحساس بالخزي يستسلم لها ويُسلّم نفسه للخطية ـ أكرر ـ أنه لم يُظهر أي خجل عند ارتكابه الخطية, ولكن عندما يخرج ويريد أن يتوب هل في تلك اللحظة يخزى يا للتعاسة. هل وأنت بين براثن تلك المرأة لم تشعر بالخزي والآن وأنت تنوي التبوة تُمسك بالخزي. لقد قلتم لي إنه خزي, ولكن لماذا لم يختبر هذا الخزي وقت ارتكابه الخطية. لماذا يخجل من التحدث عن إثمه إذ أنه ارتكبه دون خجل
انظروا دهاء الشيطان فأثناء استسلام هذا الرجل لم يدع الخزي يحتاجه, ولكنه يعمل على أن يفضح ضعفه, لأنه يعرف أنه لو كان قد خجل لكان تقهقر أمام الخطية. ولكن على العكس فإنه يسلمه للخجل في لحظة التوبة, لأنه يعلم أن هذا الإحساس سيكون عقبه في توبته. إن هدفه حينئذ يكون مضاعفاً فهو من ناحية يجتذب فريسته نحو الخطية ومن الناحية الأخرى يمنع التوبة.
لماذا هذا الخلط في الأمور. في لحظة ارتكاب الفعل الأثيم لا تُظهرون أي خجل والآن وأنتم على وشك أن تتعالجوا من الخطية تخجلون. هل تخجلون من التحرر من الخطية؟ كان يجب أن يكون هذا هو سلوككم وأنتم تخطئون. هل انتظرتم حتى وقت التبرير لتحمرّوا خجلاً بينما ذلك لم يرد عليكم حينما كنتم تخطئون.
’’حاسب نفسك لكي تتبرر‘‘ يا للصلاح الإلهي. إن الرب لم يقل تهربا من العقوبة ولكن قال ’’لكي تتبرّر‘‘ أما كان يكفي أن لا تعاقبه حتى أنك تبرره أيضاً. بالتأكيد. لكن اسمعوا بالأولى أين نجد مثالاً لمثل هذا التبرير؟ أما نحن فبعدل جوزينا لأننا ننال استحقاق ما فعلناه, لكي يسمع هذه الكلمات من يسوع ’’اليوم تكون معي في الفردوس‘‘ (لو23: 43) إنه لم يعده بأن يجنبه كل ملامة وكل عقاب. بل دفعة واحدة اقتاده مبرراً إلى الفردوس.
الاعتراف المقدس:
هل لاحظتم أن اللص قد تبرر بفضل اعترافه عن خطاياه؟ إن الإحساس الإلهي نحو البشر عظيم جداً. إنه لم يشفق على ابنه الخاص لكي يشفق على العبد. لقد سلم ابنه الوحيد لكي يفتدي العبيد الجاحدين وسفك دمه كثمن لهم.
يا للإحسان الإلهي أرجوكم لا تعودوا تحتجّون بقولكم: لقد أخطأت كثيراً فكيف يمكن أن أخلص. لأن ما لا تستطيعون أن تعملوه, فالله يستطيعه, وقدرته قادرة حتى إلى محو كل خطاياكم.
انتبهوا لما سأقوله: الله يمحو خطاياكم بحيث أنه لا يعود يتبقى لها أي أثر. مثل هذه الأعجوبة لا توجد في الطبيعة, فالطبيب يستطيع أن يظهر كل مهارته وحذقه كلي يعالج جرحاً, ومع ذلك لن يصل لمحو كل أثر لذلك الجرح
تخيلوا مثلاً أن رجلاً ضُرب على عينيه عدة مرات, فحتى ولو كل مرة اعتنى بجرحه فمع ذلك ستتبقى هناك ندبة (أثر الجرح) وهذه الندبة ستشهد بعد ذلك على الجرح القديم. سيبذل الطبيب قصارى جهده لكي يمحو هذه الندبة ولكنه لن يستطيع, لأنه سيصطدم دائماً بضعف الطبيعة إلى جانب محدودية علمه وأدويته. أما الله فإنه يمحو كل الخطايا ويفعل هذا بحيث لا يترك أي أثر لأية ندبة, ويحرر النفس من كل شر ويجعلها تستعيد جمالها الأصلي. وهو يقدم لها بره كله لكي يقيها كل عقوبة, وفي النهاية يجعل الخاطئ من كل الأوجة مماثلاً لمن لم يخطئ. وبالإجمال فإن الخطية تختفي تماماً وكأنها لم توجد قط, فلا ندبة على الإطلاق ولا أثر ولا شاهد ولا دليل.
تعليم الكتاب:
(3) كيف أستطيع أن أؤكد ذلك. يجب عليّ أن أُدعم كلامي بالإثباتات, وبدلاً من أن أطرح تأكيدات واهية سأعطيكم حقاً كاملاً. وسوف أؤكدها بإثباتاتي من الكتب المقدس. إن الرجال الذين سأذكرهم كأمثلة عانت من جروح عديدة (للخطية), وهي تشكل عينة من البشر تغطت بالكامل بالجروح وسُلمت للغرغرينا والفساد. هؤلاء إذن الذين لم يكونوا إلا جروحاً ورضوضاً أمكن معالجتهم, حتى أنه لم يعد يتبقى أية ندبة أو أثر لها. ومع ذلك فإنني أكرر أنها لم تكن مجرد جرح أو اثنين أو ثلاثة بل كان الشر قد استشرى من الرجلين إلى هامة الرأس.
أعيروني انتباهكم لأن كلماتي تخصنا كلنا وتساهم في خلاصنا. إنني أعد الأدوية التي تفوق كل ما يستطيع الأطباء تحضيره, بل إن الملوك لا يستطيعون أن يقتنوها. فلماذا يستطيع الملك, بالتأكيد لـه السلطان أن يخرج من السجن لكنه لا يستطع أن يخلص أحداً من جهنم. إنه يستطيع أن يُغني إنساناً لكنه لا يستطيع أن يخلص نفساً.
من ناحيتي فأنا سأضعكم بين يدي التوبة لكي تدركوا إتساع قوتها, وتعلموا أن الشر يرضخ دائماً أمامها, ولا توجد أية خطية تستطيع على الإطلاق الهرب من سلطانها. وسأبين لكم أيضاً أنني لن استند على بعض الأمثلة الهشة, ولكني سأستند على أمثلة لآلاف الأشخاص الذين ملأتهم الجروح المتقيحة, الذين تثقلوا بخطايا عديدة وعملت فيهم التوبة شفاء كاملاً لم يترك أي أثر أو ندبة.
لكن ركزوا كل انتباهكم. سأذهب إلى أبعد من ذلك اجتهدوا في أن تحفروا كلماتي في ذاكرتكم لكي تعلّموا الغائبين حماس المؤمنين الذين لم يحصلوا على هذه التعاليم.
إشعياء النبي:
فلنسأل الآن إشعياء النبي الذي تأمل الساروفيم, والذي سمع الإنشودة الخالدة والذي تنبأ بنبوات متعددة تخص المسيح ’’رؤيا إشعياء (النبي) بن أموص التي رآها على يهوذا وأورشليم‘‘ إن النبي في هذه الرسالة يسلّمنا رؤيا لـه وهذه كلماتها الأولى ’’اسمعي أيها السموات واضغي أيتها الأرض لأن الرب قد تكلم‘‘ لكنك لم تتكلم عن ما أعلنته في البداية يا إشعياء. فرسالتك يجب أن تكون مختصة بيهوذا وأورشليم. وهوذا أنت قد تركت هذا الأمر جانباً لتخاطب السماء والأرض. لماذا تصرف وجهك عن البشر العاقلين لكي تخاطب عناصر عديمة العقل.
اعلما أن الكائنات العاقلة قد انحطت حتى إلى مستوى أقل من الكائنات المجردة عن العقل, ومن ناحية أخرى فإن موسى عندما قاد العبرانيين إلى أرض الموعد, أحس بقلبه بأولئك الذين في المستقبل سوف يحتقرون الطريق التي وصفها لهم فهتف أيضاً قائلاً ’’أنصتي أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي‘‘ (تث32: 1) أنني أشهد عليكم السماء والأرض إنه إذا وصلتم أرض الموعد وتركتم المسيح إلهنا فأنتم سوف يصيبكم التشتيت في كل الأمم.
عندما أتى إشعياء كان التهديد على وشك أن يصير حقيقة. فلم يستطيع إشعياء أن يخاطب لا موسى ولا أولئك الذين سمعوا حينذاك لأن الكل كانوا قد ماتوا, فلذلك خاطب عناصر الطبيعة التي سبق أن أخذها موسى كشاهد. لقد نقضتم وعدكم أيها اليهود وتركتم الله. كيف أدعوك يا موسى وأنت قد مُت ومهمتك قد انتهت. هل أدعو هارون ولكنه هو أيضاً قد رحل عن العالم. ألم تعد تعرف لمن توجه كلامك يا إشعياء خاطب إذن العناصر الجامدة.
اسمعي أيها السموات:
لهذا السبب وعلى مدى حياتي أيضاً لم استشهد لا بهارون ولا بأي واحد آخر لأنهم جميعاً مائتون ـ لهذا فأنا أدعوكِ أيها الأشياء الطبيعية لأنك باقية. لذلك صرخ إشعياء قائلاً ’’اسمعي أيها السموات وأصغي أيها الأرض‘‘ لأن موسى يوصيني (بمثاله) أن أدعوكِ اليوم.
ولكن هناك أيضاً سبب آخر: إنه كان يخاطب اليهود: أيتها السموات اسمعي لأنكِ أنتِ التي أسقطتِ المن, أيتها الأرض, أصغي لأنكِ أنتِ التي أعطيتِ السلوى. اسمعي اسمعي أيتها السموات لأنك التي جعلتِ المن يسقط, أنتِ التي جاءت فيك هذه الظاهرة فوق الطبيعية من العلا ـ تحوّلت لحقل فائض الخصوبة. أصغي أيها الأرض لأن هنا على الأرض قد تهيأت مائدة عظمية.
لم تكن الطبيعة هي التي عملت في ذلك الزمان ولكن هناك لزوم لبذل جهد فوق الطاقة لكي ينضج الحصاد. ولم يكن هناك احتياج لطّباخ ولا أيضاً لتوصيات خاصة. المن مصدر غذاء حقيقي مقدس, كان هو البديل لكل أنواع الأغذية الأخرى. لقد تناست الطبيعة ضعفها, كيف أن ملابسهم لم تبل وأحذيتهم لم تتهرأ كل ذلك كان يخدمهم.
’’أسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض‘‘ بالرغم من كل العجائب التي لم يُسمع بها وبالرغم من هذه الإحسانات فقد أُهين الرب, لمن سأتكلم هل لكم. لكن لم يسمعني إنسان لقد أتيت ولم يوجد أحد, لقد تكلمت ولم يسمعني أحد, لذلك فإلى الأشياء غير العاقلة أوجه كلامي حيث أن ذوي العقول قد انحطوا المستوى محزن.
لهذا السبب أيضاً فإن نبياً آخر إذ رأى السلوك غير العاقل لملكهم وهو يوقد للوثن ويهين الله والكل يرتعد خوفاً فصرخ: ’’يا مذبح يا مذبح اسمعني‘‘ (1مل 13: 3) ما هذا أتخاطب حجراً أيها النبي. نعم لأن هذا الملك قد صار عديم العقل أكثر من الحجر.
’’أسمعني يا مذبح أسمعني, هذا ما يقوله الرب‘‘ والمذبح أيضاً انشق والحجر سمع وانفلق وذُرى الرماد في كل جهة. ومع ذلك فإن الملك ظلّ أصم وإزاء هذه الكلمات, إذ مد يده بشدة لكي يمسك النبي, لكن الله تدخل ويبّس يده.
أترون إحسان الله في هذا الفعل وتدركون مدى خطأ العبد؟ إن الله لم ييبّس تلك اليد من البداية. لعل مشهد المذبح المنشق يقتاد الملك إلى الصواب. وبالفعل لو لم يكن الله قد أجرى هذه المعجزة (انشقاق المذبح) لكان عفا عن الملك, لكن حيث أنه لم يقدّم سلوكه لدى رؤيته المذبح المنشق فقد صب الله غضبه عليه.
لقد رفع الملك يده ليضرب النبي فيبست تلك اليد في موضعها. هكذا انتصبت راية النصر, فلا الجنود المسلحين ولا الحرس الموجود بأعداد غفيرة استطاعوا أن يشفوا هذه الضربة, وظلت اليد يابسة تشهد بانحطاط الإثم وتعلن انتصار التقوى وتُظهر الضلال الجنوني للملك, ولكن (في نفس الوقت) تشهد بالإحسان الإلهي تجاه البشر, وهكذا لم يستطيع شيء أن يعيد الصحة إلى هذه اليد.
منافع التوبة:
(4) بسب كثرة التفاصيل الجانبية نكاد نبتعد عن موضوع حديثنا الأول, لذلك سأذكركم به, إنني أقصد من كلامي أن أوضح لكم أنه لو كان أحد مغطى بالجروح, فإنه يكفي أن يتوب ويعمل أعمالاً صالحة لكي يمحو الله خطاياه بالكلية حتى لا يعود يتبقى أي أثر أو ندبة, أو دليل لجرح قديم. سأبذل لك قصارى جهدي لكي أبر بوعدي.
’’أسمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض لأن الرب تكلم‘‘ فماذا قال ’’ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليّ الثور يعرف قانية (أبنائي عديمو العقل أكثر من الحيوانات) والحمار معلف صاحبه (إنهم أكثر غباء من الحمير) أما إسرائيل فلا يعرف شعبي لا يفهم ويل للأمة الخاطئة‘‘
لكن ألا يوجد رجاء للخلاص. لماذا هتاف اليأس هذا لأني لا أجد (استجابة) للشفاء وماذا أيضاً. لأنني قدمت أدوية عديدة والجرح لا يستجيب, أيضاً أنا تركته. ماذا أستطيع أن أفعل أيضاً لقد سأمت من محاولات الشفاء.
’’الويل‘‘ كلمة تقال في نحيب النسوة الذي يكون مناسباً لهذا الحال انتبهوا لي حسناً: لماذا إذن هذا الويل. إن شعور النبي هنا مشابه تماماً لشعور طبيب يجد أن مريضه لم يعد لـه أن أمل في الشفاء. فهو يبكي وأسرة المريض وأصدقاؤه في حالة غم وهم يتأوّهون لمصيره. كل هذا غير مفيد تماماً, فحتى ولو سكب العالم كله الدموع على شخص في النزع الأخير فلن يستطيعوا أن يعيدوه للحياة. إن موشحات الحزن على الميت لا يمكن أن تصير أناشيد قيامة.
لكن ليست الأمور هكذا بالنسبة للنفس. أبكوا جرحها فيكون لديكم كل الفرص لإنعاش وإقامة من كانت نفسه مائتة. كيف يتضح هذا.
بمجرد أن يموت الجسد لا يمكن إنعاشه بأية قوة بشرية. بينما النفس الميتة من الممكن إعادتها للحياة بتقويم السلوك. كثيراً ما يكفي أنكم تنوحون عندما ترون مستبيحاً لكي تعيدوه للطريق المستقيم. لهذا لم يكتف بولس الرسول بكتابة تعاليمه ومواعظه للمؤمنين, بل يضيف البكاء والتأوهات إلى الإنذارات التي وجهها لكل واحد منهم. ولكن لماذا خلط البكاء مع الإنذارات. لكي إذا ظهرت إنذاراته غير مجدية فدموعه تحل محلها.
إن دموع النبي تعبر عن نفس الأحاسيس, فعندما رأى الرب سقوط أورشليم فقد خاطب المدينة الساقطة بهذه التعبيرات التي تشبه نحيب إنسان ’’يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها‘‘ (مت23: 37) والنبي قال ’’ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الإثم‘‘ (إش1: 4)
النحيب على الخطية:
ما أسوأ صحة هذا الجسد, أتنظرون جروحه العديدة ’’نسل فاعلي الإثم أولاد مفسدين‘‘ لماذا تنوح هكذا ’’تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل علام تُضربون‘‘ بأي شيء سأضربكم, أبالمجاعة أم بالوباء, كل العقوبات استنفذتها ولكنها لم تقض على رذيلتكم ’’تزدادون زيغاناً كل الرأس مريض وكل القلب سقيم لا يوجد جرح ولا إحباط‘‘ هذه لغة جديدة ـ فمنذ قليل كنت تقول ’’نسل فاعلي الشر أولاد مفسدين تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل. وأيضاً ’’الويل للأمة الخاطئة‘‘ لم تكف عن النحيب والبكاء والرثاء وعددت الجروح هوذا الآن يبدو أنك تنفي قولك الأول إذ تقول ’’لا يوجد جرح ولا إحباط‘‘ (حسب الترجمة السبعينية).
اسمعوا في البداية كان يوجد جُرح, فجزء من الجسد كان مصاباً بينما كان بقية الجسد سليماً, لكن بعد ذلك صار كله جرجاً واحداً ’’من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جُرح وإحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُليّن بالزيت. بلادكم خربة, مدنكم محروقة بالنار, أرضكم تأكلها غرباء قدامكم‘‘ (إش1: 6) بالرغم من كل المصائب التي سكبتها عليكم فأنتم لم تغيروا سلوككم. لقد أظهر كل مهاراتي والمريض مازال يصارع الموت.
’’اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم, أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة. لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب‘‘ كيف هل يخاطب السادوميين. لا بل يدعو اليهود سادوميين لأنهم كانوا يتمثلون بتصرفاتهم. ’’اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم, أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة, لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات, لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة, البخور هو مكرهة لي, روؤس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي أصوامكم واحتفالاتكم لست أطيقها, حين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم‘‘ (إش1: 10ـ 15)
هل رأيتم من قبل غضباً كهذا, يدعوا النبي السماء ويبكي ويتأوه وينتحب ويعلن أنه لا يوجد جرح وإحباط. الله ساخط ولا يقبل ذبيحة ولا رأس شهر ولا سبتاً ولا تقدمة ولا صلوات ولا حتى أيادي مرفوعة نحوه. أترون الجرح. أترون هذا المرض عديم الشفاء الذي أصاب ليس واحداً أو اثنين ولا عشرة بل آلاف. ماذا يمكن أن يصنع بعد ذلك؟
يقول ’’اغتسلوا تنقوا‘‘ (إش1: 16) هل هناك خطأ بعد ذلك يدعو إلى اليأس. فبعد أن قال الله حالاً لن أسمعكم. هنا يدعونا أن نتطهر لماذا هذه اللغة المزدوجة. في الواقع إن هذه الكلمات وتلك تعمل لخيركم, الله يبدأ بإخافتكم ولكن رب معترض يقول: إن كنت لا تسمعهم بعد ـ إذن فلم يعد لهم أي رجاء في الخلاص.وفي هذه الحالة لماذا تقول لهم تنقوا.
الله أب:
الله أب ممتلئ حناناً وهو الصالح وحده, وأحشاؤه تتحرك أكثر من أي أب فلكي تفهموا حسناً أنه يتصرف كأب فقد وضع هذا السؤال لأولاده: ماذا سأفعل يا يهوذا. إلا تعرف ماذا ستفعل يا رب. نعم أنا أعرف. لكن لا أستطيع أن أعمد إلى هذا. فثقل الخطايا يتطلب عقوبة لا تتفق مع عظيم إحساني تجاه البشر. فماذا سأفعل إذن. هل يجب أن أسامحكم لكن هذا سيزيد عدم إكتراثكم. هل يجب أن ألاحقكم بغضبي. صلاحي يمنعني. فما العمل. هل أعاملكم كسدوم. هل أفنيكم كعمورة. يتقلب عليّ قلبي.
مع أن الله فوق الأحاسيس البشرية إلا أنه يستعير هنا أحاسيس الإنسان ويظهر حنانا؟ً يفوق حنان الأم ’’قلبي أنقلب عليّ‘‘ فالأم لا تتلكم بغير هذا عن طفلها. لكن الله لم يقنع بأن يذكر انقلاب قلبه اللائق بالأمومة بل يضيف أيضاًً ’’قد انقلب عليّ قلبي اضطرمت مراحمي جميعاً‘‘ (هو11: 8)
هل اضطراب الله حقاً. لا فاللاهوت فوق هذه الانفعالات ولكن كما قلت إنه يستعير لغتنا. لقد انقلب عليّ قلبي فاغتسلوا وتنقوا لنعد إلى وعدي (عدم الاستطراد) لقد أكدت لكم أن الله يشفي الخطاة. البشر المحملين بخطايا لا تُعدّ والشبيهة بالقروح. بمجرد أن يتوبوا لا يبقى هناك أي أثر أو ندبة أو علامة على الجرح.
’’اغتسلوا تنقوا انزعوا شر أفعالكم من أمام عيني, تعلموا فعل الخير‘‘ (إش1: 17)
ماذا تعني بـ ’’فعل الخير‘‘
’’اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة‘‘ هذه التوصيات ليس فيها أي تثقيل وهي تبدو متوافقة مع الطبيعة, لأن هذه الحالات تثير الشفقة حقاً.
ابذلوا الجهد:
يقول الرب: ’’هلم نتحاجج‘‘ ابذلوا بعض الجهد من جانبكم وأنا سأرتب الباقي. أعطوني حتى ولو شيئاً قليلاً وأنا سأمنحكم الكثير. هلم إذن. لكن إلى أين. هلموا إليّ أنا الذي أسخطتموني وضايقتموني إليّ أنا الذي قلت لكم إنني لا أسمعكم. راجياً بذلك أن الخوف المتولد من التهديد يقتادكم لتبديد غضبي. اذهبوا لمن لا يسمعكم لكي يسمعكم. ولكن ماذا ستفعل.
لن أترك فيكم أي أثر أو ندبة أو علامة على جرح قديم ’’هلم نتحاجج يقول الرب, إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج‘‘ (إش1: 18) أبلا ندبة. أبلا غضن. أمع هذا البهاء من النقاوة. ’’إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج‘‘ أأتقياء بدون أي دنس. كيف سيصير هذا إنها كلمات الرب نفسه. هل وعدتكم بخلاف هذا.
هكذا استطعتم أن تدركوا عظمة مواعيد الله من جهة ومن جهة أخرى كمال الله الذي يسبغها علينا. كل شيء مستطاع لله. إنه قادر على تطير الإنسان حتى ولو كان كله نجاسة. فلنتقوى بهذه التعاليم ونزداد نضوجاً بمعرفة هذا لدواء أعني التوبة. ولنقدم لـه السجود اللائق لأن لـه القوة والمجد إلى دهر الدهور آمين
للقديس يوحنا ذهبي الفم
إذا كنت قد تغيبت عنكم, فهذا شيء ما كنت أريده, ولكني كنت مجبراً على ذلك ـ إلا أن غيابي كان بالجسد فقط وليس بالروح. بالجسد كنت بالتأكيد بعيداً عنكم, ولكن روحي لم تنفصل عنكم قط, فالروابط التي توثقت بيننا كانت تعتمل فيّ بكل قوتها, وصورتكم ظلت محفورة في قلبي.
لقد كنت متلهفاً يا إخوتي أن أجوز هذه الوعكة المؤقتة لكي أراكم ثانية بأكثر سرعة, مع أنه لا يزال يتبقى فيّ بعض الآثار من مرضي فإنني أسرعت إليكم حتى ألتقي ثانية بمحبتكم ومودتكم.
إن كان كثيراً ما يستعين المرضى في فترة النقاهة بعلاج الحمامات, فأنا من جهتي فضّلت أن أغطس ثانية وبسرعة في حمّام المحبة الذي تقدّمونه إليّ, وألبّي رغبتكم المقدسة لسماع الكتب الإلهية ـ هذا المحيط الواسع الذي لا تعرف أمواجه العواصف أو الحزن.
لقد أتيت لأرى أرضكم من الآن فصاعداً نقية. هل يوجد ميناء سلام مشابه للكنيسة, وهل هناك فردوس (مملوء بثمر البر) مثل اجتماعكم. نحن هنا نجد الملجأ الأمين من كل خبث الشيطان, هنا المسيح يثبتنا في أسراره.
لن تُرى عنا حواء الساقطة في التعدي, ولكن ستُرى الكنيسة باذلة جهدها لترفعنا إلى فوق.
لا توجد هنا أوراق شجر, ولكن فقط ثمار الروح الشهية لا يوجد هنا شوك وحسك, ولكن كرمة خصبة وعصارة حياة. وإن وُجد فيها شوكة, سأحولها في الحال إلى زيتونة. ماذا يهمنا من ضعف الطبيعة هنا حيث تسود الحواس السائبة, فإن قابلت ذئباً حوّلته إلى خروف ليس بتغير طبيعته لكن بتهذيب حواسه.
الكنيسة شبيهة بفلك نوح:
من الممكن أيضاً أن نؤكد دون مبالغة أن الكنيسة ميناء أعظم حتى من فلك نوح. لأن فلك نوح استضاف الحيوانات العجماوات وحفظ حياتها سالمة, بينما الكنيسة وهي تقدّم لهم الملجأ تحوّلهم إلى جدة الحياة. سأوضّح لكم هذا:
تخيلوا مثلاً صقراً دخل إلى الفلك فإنه سيخرج صقراً كما هو, وكذلك الذئب إن دخل فسيخرج ذئباً كما هو, ولكن إن دخل الكنيسة صقر فعلى العكس سوف يخرج حمامة وديعة, وأيضاً الذئب إن دخل الكنيسة سيخرج خروفاً هادئاً, والحية ستخرج حملاً وديعاً. إذن فالكنيسة لا تعمل على تحويل طبيعة الكائنات ولكن تنتزع منهم الشر.
منفعة التوبة:
هذا هو السبب الذي لأجله أحدّثكم باستمرار عن التوبة. حقاً أنها تسبب خوفاً وضيقاً للخاطئ, ولكنها ترياق صالح تعالج فيه علل الخطايا, وهي تفتديه من آثامه. ومقابل الدموع الغزيرة تجعل لـه دالة عند الله, فهي سلاح مخيف ضد الشيطان, نصل بتّار قادر على الاستئصال, فالتوبة تمنحنا الرجاء في الخلاص, وهي عدوّة لليأس, هي التي تمنحنا مفاتيح السماء, وهي التي تسمح لنا بأن نصل للفردوس وهي إلى النهاية تنتصر على الشرير وتقوي رجاءنا في الأفلات منه (وهذا هو الدافع الأساسي والسبب الحقيقي الذي من أجله أحدثكم الآن عن التوبة).
أأنتم خطاة. لا تيأسوا فأنا أصر على أن أقدم لكم الرجاء كدواء وكأفضل علاج لضعفكم, لأني أعرف إلى أي مدى يمكن للثقة المستمرة والرجاء في الله أن تكون سلاحاً فعالاً مقابل الشيطان. لن أكف من أن أكرر لكم أنه إذا أخطأتم لا تستمروا في اليأس. إن أخطأتم كل يوم فتوبوا كل يوم.
أسألكم سؤالاً فقولوا لي ماذا نفعل عندما تتهدّم مبانينا القديمة. إلا نضع جانباً الأشياء المتهدمة لنقيم بدلاً منها الجديد. ولا ندّخر الجهد في بذل كل اهتمامنا لهذا التعمير. فليكن لنا مثل هذا بالنسبة لأنفسنا, فإن خضعتم للخطية فجددوا أنفسكم بالتوبة.
ستقول لي: كل حياتي وأنا واقع تحت سطوة الخطية وأنت تقول لي الآن إذا أنت قدّمت توبة فستجد الخلاص والعتق.
- نعم بكل تأكيد.
وإذا سألتني: من أين لك هذه الثقة
أقول لكم: من مراحم الله تجاه البشر. لا تفتكروا أنني أبني ثقتي هذه فقط على توبتكم, لأني أعرف أنها لا تقوى على طرد كل الشرور من القلب. إذا كانت لا توجد غير التوبة فقط لكان يحق لكم أن تكونوا قلقين. أما إذا كان صلاح الله هو أساس اعتمادنا, فيجب أن تثقوا. فمراحم الله نحونا لا نهائية، بل أقول أيضاً إنها تفوق كل تعبير.
إن ضعفاتكم محدودة أما علاجها فليس لـه حدود. حتى وإن كانت أخطاؤكم لا تُحصى فهي لا تزيد كونها أخطاء بشرية. وهي لا تُقاس إزاء صلاح الله اللا نهائي. فلتكن لكم ثقة في الله, لأن التوبة ستنتصر على رذائلكم.
تخيلوا شعلة سقطت في البحر ـ هل يمكنها بعد ذلك أن تظل مشتعلة. إن خطاياكم ستتلاشى عندما تتلامس مع صلاح الله مثل انطفاء الشعلة إذا لامست الماء, بل إن المحيط رغم اتساعه فهو لـه حدود, أما المراحم الإلهية فهي غير محدودة.
الرذائل تُقتلع قليلاً قليلاً:
لا أقصد علىالإطلاق بمثل هذا الكلام أن أسقطكم في السلبية, لكني على العكس أحثكم على مزيد من الاجتهاد. مرات عديدة حذرتكم من التردد على المسارح وأنتم سمعتم هذا الكلام ولم تلتفتوا إلى نصائحي, بل ذهبتم للمسارح دون أن تعيروا أي اهتمام لتوصياتي لكم, ولكن لا تخجلوا من العودة هنا مرة أخرى لتسمعوني.
ستقول لي: لكني قد سمعتك سابقاً ولم أطعك. فما الفائدة من العودة هنا؟
أنتم إذن تعترفون بأنكم سخرتم من نصائحي وهوذا أنتم خجلتم وخزيتم. أنتم بصعوبة تخفون انزعاجكم بينما لا أحد يوبخكم. إذن فكلماتي لا تزال محفورة في نفوسكم, وحتى في غيابي فهي تعمل فيكم. أنتم لم تحفظوا نصائحي وهو ذا أنتم الذين تلومون أنفسكم فبسبب ذلك قد تناقص ذنبكم إلى النصف. لأنه مع أنكم قد احتقرتم نصائحي, فأنتم قد اعترفتم بخطاياكم بمجرد قولكم: أنا لم أتبع نصائحك. إنني أعتبر أن كل من لام نفسه بأنه قد سقط عن الوصية هو الآن على الطريق الصحيح.
هل لكم نظرات خاطئة تلومون أنفسكم عليها؟ هل ارتكبتم خطأ؟ هل سحرتكم زانية؟ هل بمجرد خروجكم من المسرح وتذكركم ما سمعتموه. أتشعرون بالخزي حينئذ تعلوا ها أنتم متضايقون؟ تضرعوا إلى الله وللوقت تقومون.
تقول: الويل لي لقد سمعت تحذيراتك ولم أعرها أي اهتمام, فكيف أستطيع العودة إلى الكنيسة؟ كيف أستطيع من جديد أن أسمع كلامك؟
ولكن هنا بالذات يوجد سبب أكبر لكم لكي تعودوا وتنضموا إلينا من حيث أنكم خالفتم. فالآن ستسمعونني مرة أخرى وسأعطيكم نصائحي وفي هذه المرة ستعملون بها. لو أن الطبيب وصف لكم دواء لم يأت بعد بالنتيجة المرجوة. ألا تعتقدون أنه يقدمه لكم مرة أخرى في الغد؟
تخيلوا حطّاباً: إنه يأخذ بلطة لكي يقطع بلوطة فيبدأ بقطع الجذور. إن لم تقطع الشجرة من الضربة الأولى فهو لن يتردد من الضرب ثانية وثالثة ورابعة وعاشرة إن احتاجت. افعلوا أنتم بالمثل: إن بلوطتكم لهي شجرة عقيمة وثمارها لا تخدع إلا الحيوانات الغبية. تلك الشجرة هي الزانية. إنها قد تأصلت منذ وقت طويل داخل فكركم ولقد غلقت ضمائركم بحبائلها.
إن كلماتي تشبه البلطة ـ لقد سمعتم كلماتي مرة ولكن هل تعتقدون أن الشيء الذي تأصل منذ وقت طويل يمكن أن يسقط بضربة واحدة؟ أتجدوه أمراً غريباً أن يسقط في المرة الثانية أو الثالثة أو المرة العشرين أو حتى بعد ربوات من المرات؟؟ إطلاقاً.
الشيء الوحيد الذي يهم هو أن تهدموا هذا الانعطاف الرديء الذي التصق بكم كعادة خبيثة. إن اليهود اغتذوا بالمن وطالبوا ببصل مصر ـ لقد كانوا يقولون باكين: ’’لقد كنا سعداء في مصر‘‘ هذا الوضع المحزن والوضيع للغاية لم يكن سوى تعبير عن عادة سيئة. فافهموا حسناً أنه لا يكفي أن تسلكوا سلوكاً لا غبار عليه لمدة عشرة أو عشرين أو ثلاثين يوماً حتى أرفعكم فوق السحب وأهنئكم وأقبلكم. ولكن الشيء الأهم بالنسبة لي هو ألا تسقطوا في اليأس, وكل ما أطلبه منكم هو أن تشعروا بالخجل وأن تلوموا أنفسكم.
الخطأ وعلاجه:
منذ فترة حدثتكم عن المحبة, فبالرغم من أنكم سمعتموني إلا أنكم مضيتم وسلبتم الآخرين ولم تعملوا بوصيتي ـ لا تترددوا مع ذلك في العودة للكنيسة اخجلوا من أخطائكم وليس من توبتكم, وافهموا جيداً ما هو عمل الشيطان الذي يحاول أن يعمله فيكم.
فنحن أما شيئان : الخطية والتوبة. الخطية هي الجرح الذي تحمل لـه التوبة العلاج. إن ما يوجد للجسد يوجد أيضاً للروح. فكما للجسد توجد جروح وأدوية. هكذا أيضاً للروح فلها خطايا كالجروح وأيضاً التوبة كعلاج. فبينما الخطية يقابلها الخزي فإن التوبة يجب أن تكون مصحوبة بالثقة (في محبة الرب لرجوع الخاطئ).
تابعوا شرحي أتوسل إليكم ـ لأنه إذا فقدتم متابعة كلامي هربت فائدته منكم. نحن إذن لنا جرح ودواء, الخطأ والتوبة. الجرح هو الخطأ والعلاج هو التوبة. الخطأ يسبب نوعاً من الغرغرينا بينما التوبة توقفه. الخطية تزيد هذه الغرغرينا وتغطي المريض بالعار والخزي. التوبة على العكس مصدر للثقة والحرية والتطهير. انتبهوا لذلك, الخجل رد فعل للخطية, والثقة ملازمة للتوبة. هل أدركتم ما أريد أن أقوله. إن الشيطان يقلب الأمور ويربط الثقة بالخطية والخزي بالتوبة.
سأشرح هذه المسألة, لن أمل من الكلام حتى لو كان عليّ أن أتابع حديثي حتى المساء, سأعالج هذا الموضوع ولن أتهرب منه. نحن إذن أمام جرح مماثل للغرغرينا وعلاج ودواء يهدف إلى التطهير من هذه الغرغرينا. هل الدواء هو الذي يُنشئ الفساد وهل الجرح هو الذي يسبب الشفاء. هذه الأسباب وهذه النتائج أليست هي مرتبطة بحسب ترتيبها الطبيعي؟ هل تظنون أنها قابلة للتبديل. طبعاً لا. فلنصل إذن لمشكلة النفس المدنسة بالخطايا, وأما اختصاص التوبة هو الثقة والتعقل والاستقامة ’’حاسب نفسك لكي تتبرر‘‘ (أم18: 17) إن الشيطان يعلم أن الخطية تلد إحساساً بالخزي يكفي لأن يقتاد الخاطئ إلى الطريق المستقيم, وأن التوبة تلد إحساساً من الثقة كفيل بأن يجتذب التائب. لذلك فإنه يعمل على أن يقلب الوضع لكي يربط التوبة بالخزي ويربط الخطية بالثقة.
سأعطيكم مثالاً لذلك:
رجل أُمسك بشهوة مستعرة لزانية, فيتبعها كما لو كان أسيرها, ويدخل لديها ودون أدنى إحساس بالخزي يستسلم لها ويُسلّم نفسه للخطية ـ أكرر ـ أنه لم يُظهر أي خجل عند ارتكابه الخطية, ولكن عندما يخرج ويريد أن يتوب هل في تلك اللحظة يخزى يا للتعاسة. هل وأنت بين براثن تلك المرأة لم تشعر بالخزي والآن وأنت تنوي التبوة تُمسك بالخزي. لقد قلتم لي إنه خزي, ولكن لماذا لم يختبر هذا الخزي وقت ارتكابه الخطية. لماذا يخجل من التحدث عن إثمه إذ أنه ارتكبه دون خجل
انظروا دهاء الشيطان فأثناء استسلام هذا الرجل لم يدع الخزي يحتاجه, ولكنه يعمل على أن يفضح ضعفه, لأنه يعرف أنه لو كان قد خجل لكان تقهقر أمام الخطية. ولكن على العكس فإنه يسلمه للخجل في لحظة التوبة, لأنه يعلم أن هذا الإحساس سيكون عقبه في توبته. إن هدفه حينئذ يكون مضاعفاً فهو من ناحية يجتذب فريسته نحو الخطية ومن الناحية الأخرى يمنع التوبة.
لماذا هذا الخلط في الأمور. في لحظة ارتكاب الفعل الأثيم لا تُظهرون أي خجل والآن وأنتم على وشك أن تتعالجوا من الخطية تخجلون. هل تخجلون من التحرر من الخطية؟ كان يجب أن يكون هذا هو سلوككم وأنتم تخطئون. هل انتظرتم حتى وقت التبرير لتحمرّوا خجلاً بينما ذلك لم يرد عليكم حينما كنتم تخطئون.
’’حاسب نفسك لكي تتبرر‘‘ يا للصلاح الإلهي. إن الرب لم يقل تهربا من العقوبة ولكن قال ’’لكي تتبرّر‘‘ أما كان يكفي أن لا تعاقبه حتى أنك تبرره أيضاً. بالتأكيد. لكن اسمعوا بالأولى أين نجد مثالاً لمثل هذا التبرير؟ أما نحن فبعدل جوزينا لأننا ننال استحقاق ما فعلناه, لكي يسمع هذه الكلمات من يسوع ’’اليوم تكون معي في الفردوس‘‘ (لو23: 43) إنه لم يعده بأن يجنبه كل ملامة وكل عقاب. بل دفعة واحدة اقتاده مبرراً إلى الفردوس.
الاعتراف المقدس:
هل لاحظتم أن اللص قد تبرر بفضل اعترافه عن خطاياه؟ إن الإحساس الإلهي نحو البشر عظيم جداً. إنه لم يشفق على ابنه الخاص لكي يشفق على العبد. لقد سلم ابنه الوحيد لكي يفتدي العبيد الجاحدين وسفك دمه كثمن لهم.
يا للإحسان الإلهي أرجوكم لا تعودوا تحتجّون بقولكم: لقد أخطأت كثيراً فكيف يمكن أن أخلص. لأن ما لا تستطيعون أن تعملوه, فالله يستطيعه, وقدرته قادرة حتى إلى محو كل خطاياكم.
انتبهوا لما سأقوله: الله يمحو خطاياكم بحيث أنه لا يعود يتبقى لها أي أثر. مثل هذه الأعجوبة لا توجد في الطبيعة, فالطبيب يستطيع أن يظهر كل مهارته وحذقه كلي يعالج جرحاً, ومع ذلك لن يصل لمحو كل أثر لذلك الجرح
تخيلوا مثلاً أن رجلاً ضُرب على عينيه عدة مرات, فحتى ولو كل مرة اعتنى بجرحه فمع ذلك ستتبقى هناك ندبة (أثر الجرح) وهذه الندبة ستشهد بعد ذلك على الجرح القديم. سيبذل الطبيب قصارى جهده لكي يمحو هذه الندبة ولكنه لن يستطيع, لأنه سيصطدم دائماً بضعف الطبيعة إلى جانب محدودية علمه وأدويته. أما الله فإنه يمحو كل الخطايا ويفعل هذا بحيث لا يترك أي أثر لأية ندبة, ويحرر النفس من كل شر ويجعلها تستعيد جمالها الأصلي. وهو يقدم لها بره كله لكي يقيها كل عقوبة, وفي النهاية يجعل الخاطئ من كل الأوجة مماثلاً لمن لم يخطئ. وبالإجمال فإن الخطية تختفي تماماً وكأنها لم توجد قط, فلا ندبة على الإطلاق ولا أثر ولا شاهد ولا دليل.
تعليم الكتاب:
(3) كيف أستطيع أن أؤكد ذلك. يجب عليّ أن أُدعم كلامي بالإثباتات, وبدلاً من أن أطرح تأكيدات واهية سأعطيكم حقاً كاملاً. وسوف أؤكدها بإثباتاتي من الكتب المقدس. إن الرجال الذين سأذكرهم كأمثلة عانت من جروح عديدة (للخطية), وهي تشكل عينة من البشر تغطت بالكامل بالجروح وسُلمت للغرغرينا والفساد. هؤلاء إذن الذين لم يكونوا إلا جروحاً ورضوضاً أمكن معالجتهم, حتى أنه لم يعد يتبقى أية ندبة أو أثر لها. ومع ذلك فإنني أكرر أنها لم تكن مجرد جرح أو اثنين أو ثلاثة بل كان الشر قد استشرى من الرجلين إلى هامة الرأس.
أعيروني انتباهكم لأن كلماتي تخصنا كلنا وتساهم في خلاصنا. إنني أعد الأدوية التي تفوق كل ما يستطيع الأطباء تحضيره, بل إن الملوك لا يستطيعون أن يقتنوها. فلماذا يستطيع الملك, بالتأكيد لـه السلطان أن يخرج من السجن لكنه لا يستطع أن يخلص أحداً من جهنم. إنه يستطيع أن يُغني إنساناً لكنه لا يستطيع أن يخلص نفساً.
من ناحيتي فأنا سأضعكم بين يدي التوبة لكي تدركوا إتساع قوتها, وتعلموا أن الشر يرضخ دائماً أمامها, ولا توجد أية خطية تستطيع على الإطلاق الهرب من سلطانها. وسأبين لكم أيضاً أنني لن استند على بعض الأمثلة الهشة, ولكني سأستند على أمثلة لآلاف الأشخاص الذين ملأتهم الجروح المتقيحة, الذين تثقلوا بخطايا عديدة وعملت فيهم التوبة شفاء كاملاً لم يترك أي أثر أو ندبة.
لكن ركزوا كل انتباهكم. سأذهب إلى أبعد من ذلك اجتهدوا في أن تحفروا كلماتي في ذاكرتكم لكي تعلّموا الغائبين حماس المؤمنين الذين لم يحصلوا على هذه التعاليم.
إشعياء النبي:
فلنسأل الآن إشعياء النبي الذي تأمل الساروفيم, والذي سمع الإنشودة الخالدة والذي تنبأ بنبوات متعددة تخص المسيح ’’رؤيا إشعياء (النبي) بن أموص التي رآها على يهوذا وأورشليم‘‘ إن النبي في هذه الرسالة يسلّمنا رؤيا لـه وهذه كلماتها الأولى ’’اسمعي أيها السموات واضغي أيتها الأرض لأن الرب قد تكلم‘‘ لكنك لم تتكلم عن ما أعلنته في البداية يا إشعياء. فرسالتك يجب أن تكون مختصة بيهوذا وأورشليم. وهوذا أنت قد تركت هذا الأمر جانباً لتخاطب السماء والأرض. لماذا تصرف وجهك عن البشر العاقلين لكي تخاطب عناصر عديمة العقل.
اعلما أن الكائنات العاقلة قد انحطت حتى إلى مستوى أقل من الكائنات المجردة عن العقل, ومن ناحية أخرى فإن موسى عندما قاد العبرانيين إلى أرض الموعد, أحس بقلبه بأولئك الذين في المستقبل سوف يحتقرون الطريق التي وصفها لهم فهتف أيضاً قائلاً ’’أنصتي أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي‘‘ (تث32: 1) أنني أشهد عليكم السماء والأرض إنه إذا وصلتم أرض الموعد وتركتم المسيح إلهنا فأنتم سوف يصيبكم التشتيت في كل الأمم.
عندما أتى إشعياء كان التهديد على وشك أن يصير حقيقة. فلم يستطيع إشعياء أن يخاطب لا موسى ولا أولئك الذين سمعوا حينذاك لأن الكل كانوا قد ماتوا, فلذلك خاطب عناصر الطبيعة التي سبق أن أخذها موسى كشاهد. لقد نقضتم وعدكم أيها اليهود وتركتم الله. كيف أدعوك يا موسى وأنت قد مُت ومهمتك قد انتهت. هل أدعو هارون ولكنه هو أيضاً قد رحل عن العالم. ألم تعد تعرف لمن توجه كلامك يا إشعياء خاطب إذن العناصر الجامدة.
اسمعي أيها السموات:
لهذا السبب وعلى مدى حياتي أيضاً لم استشهد لا بهارون ولا بأي واحد آخر لأنهم جميعاً مائتون ـ لهذا فأنا أدعوكِ أيها الأشياء الطبيعية لأنك باقية. لذلك صرخ إشعياء قائلاً ’’اسمعي أيها السموات وأصغي أيها الأرض‘‘ لأن موسى يوصيني (بمثاله) أن أدعوكِ اليوم.
ولكن هناك أيضاً سبب آخر: إنه كان يخاطب اليهود: أيتها السموات اسمعي لأنكِ أنتِ التي أسقطتِ المن, أيتها الأرض, أصغي لأنكِ أنتِ التي أعطيتِ السلوى. اسمعي اسمعي أيتها السموات لأنك التي جعلتِ المن يسقط, أنتِ التي جاءت فيك هذه الظاهرة فوق الطبيعية من العلا ـ تحوّلت لحقل فائض الخصوبة. أصغي أيها الأرض لأن هنا على الأرض قد تهيأت مائدة عظمية.
لم تكن الطبيعة هي التي عملت في ذلك الزمان ولكن هناك لزوم لبذل جهد فوق الطاقة لكي ينضج الحصاد. ولم يكن هناك احتياج لطّباخ ولا أيضاً لتوصيات خاصة. المن مصدر غذاء حقيقي مقدس, كان هو البديل لكل أنواع الأغذية الأخرى. لقد تناست الطبيعة ضعفها, كيف أن ملابسهم لم تبل وأحذيتهم لم تتهرأ كل ذلك كان يخدمهم.
’’أسمعي أيتها السموات وأصغي أيتها الأرض‘‘ بالرغم من كل العجائب التي لم يُسمع بها وبالرغم من هذه الإحسانات فقد أُهين الرب, لمن سأتكلم هل لكم. لكن لم يسمعني إنسان لقد أتيت ولم يوجد أحد, لقد تكلمت ولم يسمعني أحد, لذلك فإلى الأشياء غير العاقلة أوجه كلامي حيث أن ذوي العقول قد انحطوا المستوى محزن.
لهذا السبب أيضاً فإن نبياً آخر إذ رأى السلوك غير العاقل لملكهم وهو يوقد للوثن ويهين الله والكل يرتعد خوفاً فصرخ: ’’يا مذبح يا مذبح اسمعني‘‘ (1مل 13: 3) ما هذا أتخاطب حجراً أيها النبي. نعم لأن هذا الملك قد صار عديم العقل أكثر من الحجر.
’’أسمعني يا مذبح أسمعني, هذا ما يقوله الرب‘‘ والمذبح أيضاً انشق والحجر سمع وانفلق وذُرى الرماد في كل جهة. ومع ذلك فإن الملك ظلّ أصم وإزاء هذه الكلمات, إذ مد يده بشدة لكي يمسك النبي, لكن الله تدخل ويبّس يده.
أترون إحسان الله في هذا الفعل وتدركون مدى خطأ العبد؟ إن الله لم ييبّس تلك اليد من البداية. لعل مشهد المذبح المنشق يقتاد الملك إلى الصواب. وبالفعل لو لم يكن الله قد أجرى هذه المعجزة (انشقاق المذبح) لكان عفا عن الملك, لكن حيث أنه لم يقدّم سلوكه لدى رؤيته المذبح المنشق فقد صب الله غضبه عليه.
لقد رفع الملك يده ليضرب النبي فيبست تلك اليد في موضعها. هكذا انتصبت راية النصر, فلا الجنود المسلحين ولا الحرس الموجود بأعداد غفيرة استطاعوا أن يشفوا هذه الضربة, وظلت اليد يابسة تشهد بانحطاط الإثم وتعلن انتصار التقوى وتُظهر الضلال الجنوني للملك, ولكن (في نفس الوقت) تشهد بالإحسان الإلهي تجاه البشر, وهكذا لم يستطيع شيء أن يعيد الصحة إلى هذه اليد.
منافع التوبة:
(4) بسب كثرة التفاصيل الجانبية نكاد نبتعد عن موضوع حديثنا الأول, لذلك سأذكركم به, إنني أقصد من كلامي أن أوضح لكم أنه لو كان أحد مغطى بالجروح, فإنه يكفي أن يتوب ويعمل أعمالاً صالحة لكي يمحو الله خطاياه بالكلية حتى لا يعود يتبقى أي أثر أو ندبة, أو دليل لجرح قديم. سأبذل لك قصارى جهدي لكي أبر بوعدي.
’’أسمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض لأن الرب تكلم‘‘ فماذا قال ’’ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا عليّ الثور يعرف قانية (أبنائي عديمو العقل أكثر من الحيوانات) والحمار معلف صاحبه (إنهم أكثر غباء من الحمير) أما إسرائيل فلا يعرف شعبي لا يفهم ويل للأمة الخاطئة‘‘
لكن ألا يوجد رجاء للخلاص. لماذا هتاف اليأس هذا لأني لا أجد (استجابة) للشفاء وماذا أيضاً. لأنني قدمت أدوية عديدة والجرح لا يستجيب, أيضاً أنا تركته. ماذا أستطيع أن أفعل أيضاً لقد سأمت من محاولات الشفاء.
’’الويل‘‘ كلمة تقال في نحيب النسوة الذي يكون مناسباً لهذا الحال انتبهوا لي حسناً: لماذا إذن هذا الويل. إن شعور النبي هنا مشابه تماماً لشعور طبيب يجد أن مريضه لم يعد لـه أن أمل في الشفاء. فهو يبكي وأسرة المريض وأصدقاؤه في حالة غم وهم يتأوّهون لمصيره. كل هذا غير مفيد تماماً, فحتى ولو سكب العالم كله الدموع على شخص في النزع الأخير فلن يستطيعوا أن يعيدوه للحياة. إن موشحات الحزن على الميت لا يمكن أن تصير أناشيد قيامة.
لكن ليست الأمور هكذا بالنسبة للنفس. أبكوا جرحها فيكون لديكم كل الفرص لإنعاش وإقامة من كانت نفسه مائتة. كيف يتضح هذا.
بمجرد أن يموت الجسد لا يمكن إنعاشه بأية قوة بشرية. بينما النفس الميتة من الممكن إعادتها للحياة بتقويم السلوك. كثيراً ما يكفي أنكم تنوحون عندما ترون مستبيحاً لكي تعيدوه للطريق المستقيم. لهذا لم يكتف بولس الرسول بكتابة تعاليمه ومواعظه للمؤمنين, بل يضيف البكاء والتأوهات إلى الإنذارات التي وجهها لكل واحد منهم. ولكن لماذا خلط البكاء مع الإنذارات. لكي إذا ظهرت إنذاراته غير مجدية فدموعه تحل محلها.
إن دموع النبي تعبر عن نفس الأحاسيس, فعندما رأى الرب سقوط أورشليم فقد خاطب المدينة الساقطة بهذه التعبيرات التي تشبه نحيب إنسان ’’يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها‘‘ (مت23: 37) والنبي قال ’’ويل للأمة الخاطئة الشعب الثقيل الإثم‘‘ (إش1: 4)
النحيب على الخطية:
ما أسوأ صحة هذا الجسد, أتنظرون جروحه العديدة ’’نسل فاعلي الإثم أولاد مفسدين‘‘ لماذا تنوح هكذا ’’تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل علام تُضربون‘‘ بأي شيء سأضربكم, أبالمجاعة أم بالوباء, كل العقوبات استنفذتها ولكنها لم تقض على رذيلتكم ’’تزدادون زيغاناً كل الرأس مريض وكل القلب سقيم لا يوجد جرح ولا إحباط‘‘ هذه لغة جديدة ـ فمنذ قليل كنت تقول ’’نسل فاعلي الشر أولاد مفسدين تركوا الرب استهانوا بقدوس إسرائيل. وأيضاً ’’الويل للأمة الخاطئة‘‘ لم تكف عن النحيب والبكاء والرثاء وعددت الجروح هوذا الآن يبدو أنك تنفي قولك الأول إذ تقول ’’لا يوجد جرح ولا إحباط‘‘ (حسب الترجمة السبعينية).
اسمعوا في البداية كان يوجد جُرح, فجزء من الجسد كان مصاباً بينما كان بقية الجسد سليماً, لكن بعد ذلك صار كله جرجاً واحداً ’’من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جُرح وإحباط وضربة طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُليّن بالزيت. بلادكم خربة, مدنكم محروقة بالنار, أرضكم تأكلها غرباء قدامكم‘‘ (إش1: 6) بالرغم من كل المصائب التي سكبتها عليكم فأنتم لم تغيروا سلوككم. لقد أظهر كل مهاراتي والمريض مازال يصارع الموت.
’’اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم, أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة. لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب‘‘ كيف هل يخاطب السادوميين. لا بل يدعو اليهود سادوميين لأنهم كانوا يتمثلون بتصرفاتهم. ’’اسمعوا كلام الرب يا قضاة سدوم, أصغوا إلى شريعة إلهنا يا شعب عمورة, لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب. أتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات, لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة, البخور هو مكرهة لي, روؤس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي أصوامكم واحتفالاتكم لست أطيقها, حين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم‘‘ (إش1: 10ـ 15)
هل رأيتم من قبل غضباً كهذا, يدعوا النبي السماء ويبكي ويتأوه وينتحب ويعلن أنه لا يوجد جرح وإحباط. الله ساخط ولا يقبل ذبيحة ولا رأس شهر ولا سبتاً ولا تقدمة ولا صلوات ولا حتى أيادي مرفوعة نحوه. أترون الجرح. أترون هذا المرض عديم الشفاء الذي أصاب ليس واحداً أو اثنين ولا عشرة بل آلاف. ماذا يمكن أن يصنع بعد ذلك؟
يقول ’’اغتسلوا تنقوا‘‘ (إش1: 16) هل هناك خطأ بعد ذلك يدعو إلى اليأس. فبعد أن قال الله حالاً لن أسمعكم. هنا يدعونا أن نتطهر لماذا هذه اللغة المزدوجة. في الواقع إن هذه الكلمات وتلك تعمل لخيركم, الله يبدأ بإخافتكم ولكن رب معترض يقول: إن كنت لا تسمعهم بعد ـ إذن فلم يعد لهم أي رجاء في الخلاص.وفي هذه الحالة لماذا تقول لهم تنقوا.
الله أب:
الله أب ممتلئ حناناً وهو الصالح وحده, وأحشاؤه تتحرك أكثر من أي أب فلكي تفهموا حسناً أنه يتصرف كأب فقد وضع هذا السؤال لأولاده: ماذا سأفعل يا يهوذا. إلا تعرف ماذا ستفعل يا رب. نعم أنا أعرف. لكن لا أستطيع أن أعمد إلى هذا. فثقل الخطايا يتطلب عقوبة لا تتفق مع عظيم إحساني تجاه البشر. فماذا سأفعل إذن. هل يجب أن أسامحكم لكن هذا سيزيد عدم إكتراثكم. هل يجب أن ألاحقكم بغضبي. صلاحي يمنعني. فما العمل. هل أعاملكم كسدوم. هل أفنيكم كعمورة. يتقلب عليّ قلبي.
مع أن الله فوق الأحاسيس البشرية إلا أنه يستعير هنا أحاسيس الإنسان ويظهر حنانا؟ً يفوق حنان الأم ’’قلبي أنقلب عليّ‘‘ فالأم لا تتلكم بغير هذا عن طفلها. لكن الله لم يقنع بأن يذكر انقلاب قلبه اللائق بالأمومة بل يضيف أيضاًً ’’قد انقلب عليّ قلبي اضطرمت مراحمي جميعاً‘‘ (هو11: 8)
هل اضطراب الله حقاً. لا فاللاهوت فوق هذه الانفعالات ولكن كما قلت إنه يستعير لغتنا. لقد انقلب عليّ قلبي فاغتسلوا وتنقوا لنعد إلى وعدي (عدم الاستطراد) لقد أكدت لكم أن الله يشفي الخطاة. البشر المحملين بخطايا لا تُعدّ والشبيهة بالقروح. بمجرد أن يتوبوا لا يبقى هناك أي أثر أو ندبة أو علامة على الجرح.
’’اغتسلوا تنقوا انزعوا شر أفعالكم من أمام عيني, تعلموا فعل الخير‘‘ (إش1: 17)
ماذا تعني بـ ’’فعل الخير‘‘
’’اطلبوا الحق انصفوا المظلوم اقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة‘‘ هذه التوصيات ليس فيها أي تثقيل وهي تبدو متوافقة مع الطبيعة, لأن هذه الحالات تثير الشفقة حقاً.
ابذلوا الجهد:
يقول الرب: ’’هلم نتحاجج‘‘ ابذلوا بعض الجهد من جانبكم وأنا سأرتب الباقي. أعطوني حتى ولو شيئاً قليلاً وأنا سأمنحكم الكثير. هلم إذن. لكن إلى أين. هلموا إليّ أنا الذي أسخطتموني وضايقتموني إليّ أنا الذي قلت لكم إنني لا أسمعكم. راجياً بذلك أن الخوف المتولد من التهديد يقتادكم لتبديد غضبي. اذهبوا لمن لا يسمعكم لكي يسمعكم. ولكن ماذا ستفعل.
لن أترك فيكم أي أثر أو ندبة أو علامة على جرح قديم ’’هلم نتحاجج يقول الرب, إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج‘‘ (إش1: 18) أبلا ندبة. أبلا غضن. أمع هذا البهاء من النقاوة. ’’إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج‘‘ أأتقياء بدون أي دنس. كيف سيصير هذا إنها كلمات الرب نفسه. هل وعدتكم بخلاف هذا.
هكذا استطعتم أن تدركوا عظمة مواعيد الله من جهة ومن جهة أخرى كمال الله الذي يسبغها علينا. كل شيء مستطاع لله. إنه قادر على تطير الإنسان حتى ولو كان كله نجاسة. فلنتقوى بهذه التعاليم ونزداد نضوجاً بمعرفة هذا لدواء أعني التوبة. ولنقدم لـه السجود اللائق لأن لـه القوة والمجد إلى دهر الدهور آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق