بحث مخصص

2008-01-27

الأم العظيمة


بينما أنا جالس في عيادتي ، إذ بسيدة تدخل حجرة الكشف معها طفلة جميلة عمرها لم يتجاوز 5 شهور ، قالت لي الأم بلهفة : أرجوك يا دكتور سعد أن تطمئني ، أنا شعرت أن ابنتي مارتينا عينها غير طبيعية ، قد تكون هذه مجرد شكوك بسبب قلقي الزائد عليها ، هل نظرها ضعيف ؟ هل تحتاج إلي نظارة مستقبلا ؟
قلت لها : سأطمئنك حالا بعد الكشف ، وبدأت في اختبار نظرها ووجدت إنها لا ترى حتى الضوء ، ثم أجريت لها فحص قاع عين و.... يا
للمصيبة ! إنه الورم السرطاني الذي يصيب شبكية العين بالأطفال ويؤدي ليس فقط لفقدان البصر بل قد يمتد إلي المخ عن طريق العصب البصري مهددا الحياة وقد ينتشر في الدم لباقي أجزاء الجسم ، إن الأمر في غاية الخطورة ويستدعي استئصال العين بأسرع ما يمكن. لقد تعودت أن أصارح المرضى بحقيقة الأمر ولكني هنا شعرت إني في مأزق رهيب ، كيف يمكنني أن أبلغ أم بضرورة استئصال عين فلذة كبدها. قلت لها وأنا متألم : إنها قد تحتاج لعمل عملية سريعة وللتأكد من هذا الأمر ، نأخذ رأي أ. د. أحمد م. ب.
قالت لي بلهفة شديدة : وهل هي عملية مضمونة ؟ هل ستبصر ابنتي ؟ شعرت أن لساني قد انعقد ووقفت الكلمات في حلقي وقلت لها : الله يعمل الخير.
لم تمض أيام حتى جاءت السيدة المعذبة وهي تقول لي في أسى شديد شعرت به في عيونها الحزينة : لقد عرفت الحقيقة كاملة وذهبت لعدة أساتذة وعملت الفحوصات اللازمة ( رنين مغنطيسي وموجات فوق صوتية وأشعة مقطعية ) وقد طلب مني أحد الأساتذة 3 آلاف جنيه للعملية لأنها تحتاج لمهارة خاصة حتى لا يترك أي جزء من الورم يساعد على انتشاره ثانية.
قلت لها في أسى : علينا الامتثال لإرادة الله ، ولكنها أردفت قائلة في حزم شديد وإيمان عجيب : أن أثق في محبة الله لي وسأعود لك قريبا لأقول لك عن نتيجة ما عزمت أن أفعله ، قلت لها : يجب أن تخضع مارتينا للعملية سريعا قبل أن يمتد الورم لباقي أجزاء الجسم. كان ذلك في 28/ 4/ 2002 وبعد يومين فقط أي في 30 / 4 / 2002 وجدتها أمامي تحمل طفلتها قائلة : أرجوك أن تفحصها ثانية ، فكرت في نفسي : ما أهمية تكرار الفحص وما الذي سيستجد في يومين ؟ ولكني بالطبع لم أملك أن أرفض.
بدأت في فحص العين المصابة وإذا بي أجدها طبيعية تماما ، أصدقكم القول إن شعر رأسي وقف !!
قلت لنفسي لعلها العين الأخرى ، ففحصتها ووجدتها سليمة تماما ، تفرست في وجه السيدة باندهاش شديد ، فوجدتها تضحك بسعادة غامرة ، قلت لها : ماذا حدث ؟ أجابتني : أبو سيفين. ثم بدأت تحكي قصتها قائلة : لقد دبرت مبلغ الـ3000 جنية بصعوبة شديدة لكني لم أذهب به للطبيب بل ذهبت لكنيسة أبي سيفين بالإسكندرية وطلبت منه بمرارة وألم ولكن بعشم شديد ، قلت له : ( أنت اللي حتعمل العملية لبنتي ) وقدمت له المبلغ كله مقدما ولم أفكر لحظة ماذا سيحدث لو أردت أن أدفع هذا المبلغ للعملية ؟ وعدت وأنا أشعر بسلام عميق ، وفي الصباح شعرت أن مارتينا شفيت وأردت أن تكون أول طبيب تفحصها لأنك أول طبيب رأيتها.
لم أصدق نفسي ، ليتمجد اسمك يارب ، إن عصر المعجزات لم ينته وصممت أن أرسلها ثانية لـ أ. د. أحمد م. ب. الذي اتصل بي على الفور ليتأكد من إنها نفـس الطفــلة التـي أرسلتها له وأجريت لها نفس الفحوصات التي سبق أن أجرتها في دار الأشعة بالإسكندرية وأثبتت خلوها من أي ورم.
عظيم أنت يارب الذي تتمجد في قديسيك.

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers