بحث مخصص

2008-01-09

المحبة لا تطلب ما لنفسهــا


كان يوحنا يعمل في وظيفة جيدة، ومرة طلبوا منه أن يذهب في مأمورية عمل في مدينة أخرى وسيبقى فيها بعيداً عن بيته عدة أيام. وكان لابد أن يأخذ زوجته مريم لتذهب معه أيضاً. فاستأجرا مُربِّية أطفال يمكن الاعتماد عليها لترعى طفليهما، وانطلقا في رحلتهما بعيداً عن بيتهما.
رجع الزوجان مُبكِّراً قليلاً عن الموعد المُقرر. ولكنهما حالما دلفا داخل قريتهما والفرح يغمر قلبيهما برجوعهما إلى مسكنهما، لاحظا وجود دخان كثيف في القرية؛ فغيَّرا طريقهما المعتاد ليذهبا حيث الدخان ليريا ماذا هناك، وما خَطْب هذا الدخان! فإذا بهما يجدان بيتاً مُشتعلاً بالنيران. فقالت مريم لزوجها:- ”الحمد لله أنه ليس بيتنا الذي يحترق. هَلُمَّ نتوجَّه إلى بيتنا“.
ولكن حنا اقترب من البيت المشتعل بالنيران وقال مندهشاً:- ”هذا بيت عم جرجس الذي يعمل في الفلاحة. وغالباً هو لم يرجع من الحقل بعد، لعلنا نستطيع أن نفعل شيئاً“! واعترضت عليه مريم قائلة:- ”الأمر لا يخصُّنا في شيء، وأنت ترتدي الملابس النظيفة. فلا تقترب“. لكن حنا اقترب من البيت (هو وزوجته)، وذُهلا وارتعبا. فالبيت كله يحترق وتأكله النيران! وإذا بامرأة في الحديقة الصغيرة التي في مدخل البيت تصرخ بطريقة هيستيرية:- ”الأطفال! الأطفال! انقذوا الأطفال“! وتقدَّم حنا منها وربَّت على كتفها قائلاً:- ”هدِّئي من روعك وأخبرينا أين هؤلاء الأطفال“؟ فردَّت عليه:- ”إنهم في البدروم، تحت القاعة على اليسار“.
وبالرغم من اعتراضات مريم، شدَّ حنا خرطوم المياه وأغرق ملابسه بالمياه، وربط منديلاً مُبلَّلاً على رأسه، وانطلق إلى البدروم الذي كان مُفعماً بالدخان، وساخناً بصَهْد النيران. وعثر على الباب واختطف الطفلين، ودسَّ كل واحد منهما تحت إبطه.
وإذ غادر حنا المكان، سمع بالكاد صوت نشيج وأنين مكتومين. فأخرج الطفلين وهما مرعوبان وعلى وشك الاختناق. فأودعهما في مكانٍ آمِن، وملأ رئتيه بالهواء النقي، وبدأ يرجع وهو يسأل كم من الأطفال ما يزال أسفل البدروم! فقالوا له: ”اثنان آخران“.أما مريم فقد شدَّت ذراعه وصرخت بأعلى صوتها:- ”حنا! هَلُمَّ نعود! هذا انتحار! أنت تنتحر! إن البيت سينهار في أية لحظة! هَلُمَّ، هَلُمَّ“!
ولكنه تخلَّص من قبضتها، وعاد إلى أسفل البدروم بينما الدخان قد ملأ القاعة ودخل إلى الغرفة، وكأنه الجحيم، وبالكاد استطاع أن يعثر على الأطفال الباقين، فاختطفهم وعاد أدراجه.لقد كانوا ثلاثة أطفال يسعلون، وقد غطَّى الدخان وجوههم، وقد خرج بهم حنا ليستنشقوا أية كمية من الهواء النقي! وقبل أن يبلغ آخر درجات السُّلَّم صاعداً إلى فوق، أحسَّ بأن هناك شيئاً ما مُريباً، فهناك أصوات ليست غريبة على أُذنيه خارجة من هـؤلاء الأطفال المُتعلِّقين على ظهره وعلى كتفيه. وأخيراً خرج إلى خارج المنزل حيث ضوء الشمس والهواء النقي، فوجد أنه قد أنقذ ضمن مَن أنقذهم، مَن؟ طفليه المُحبَّبين!! فقد تركتهما مُربية الأطفال في هذا البيت الغريب الذي تعمل به أيضاً، وذهبت للسوق تشتري بعض الحاجيات!! فماذا نقول عن المحبة الباذلة التي «لا تطلب ما لنفسها» (1كو 13: 4)، إلاَّ أنها ”المحبة القوية كالموت“ أو بالحري الأقوى من الموت، ونيران كثيرة لم تقدر أن تُطفئ المحبة: + «المحبة قوية كالموت... لهيبها لهيب نار، لَظَى الرب. مياهٌ كثيرة لا تستطيع أن تُطفئ المحبة والسيول لا تغمرها» (نش 8: 7،6).

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers