بحث مخصص

2008-03-28

الساعة الرهيبة




كتب الراهب بطرس المقاري هذه الكلمات قبل أن يتنيح في 22 مارس 1995 وقال : طرق بابي زائر فوجدته ملاك الموت الذي جاء ليأخذ روحي فاستمهلته قليلا حتى أكتب هذه الكلمات ، الواقع إن ساعة الموت رهيبة ومقدار رهبتها يتزايد مع مقدار الإهمال في الاستعداد لها. فالذي يستعد لها ويضعها أمام عينيه و يجاهد كل يوم تصير لحظة فرح و مسرة. لقد نظرت حولي في القلاية ، ثم من النافذة فلم أجد في الدنيا كلها ما يستحق أن آخذه معي ، لا غني ولا كرامة ولا إهانة ولا مديح ولا شتائم ولم يسمح لي بأخذ شئ ماعدا ثوبي الذي عمره من عمري وقد كان أبيضا ولكنه اتسخ ببقع كثيرة. وفي لحظة شعرت أن روحي تضيق جدا كأنها تخرج من عنق الزجاجة إلي اتساع لا نهائي ، وخرجت إلي عالم آخر لا يحده زمان أو مكان.
وهنا استوقفني ملاك الموت معلنا مرحلة العبور الصعب وتلفت حولي فإذا بجماعة من الشياطين بمنظرها القبيح المرعب شاخصة نحوي ورأيت في المقابل جماعة أخرى منيرة من الملائكة تسبح بأناشيد عذبة تلقي في القلب سلاما ، وكان يبدو عليها الاطمئنان أما جماعة الشياطين ، عندما تفرست في وجوههم ، فوجدتني أعرف أغلبهم بل إن بعضها كان رفيقا لي لفترة من الزمن ، فهذا الكبرياء وهذا كذب وذاك إدانة ونميمة ...... ووجدتهم يشيرون إلي البقع التي في ثوبي ، فنظرت لهذه البقع فوجدتها صور لهولاء الشياطين ، فار تعبت جدا وسألت الملاك عن الشياطين الذين لا أعرفهم ، فأفهمني الملاك إنني لم أستمع إلي أصواتهم وسددت أذني على سماع كلامهم بمشورة الروح القدس أو أنني استمعت لهم ثم قدمت توبة صادقة فمحيت صورتهم من ثوبي.
فنظرت للملائكة التمس منهم سلاما فعرفت منهم ملاك المحبة والبساطة والوداعة والسلام والاتضاع وكل منهم يحمل باقة من الفضائل والأعمال الصالحة. وإذا بملاك الموت يتقدم ويبوق ، فرأيت ناحية المشرق بابا يؤدي إلي منطقة منيرة جدا أحسست بلهفة شديدة على دخولها وناحية المغرب منطقة أخري مظلمة جدا أوقعت الرعب في قلبي فأسرعت نحو المشرق ولكن ملاكان منعاني من الدخول مشيران إلي البقع التي تلطخ ثوبي قائلان الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله وهناك دين لم أوفه ، وعلي أن أذهب إلي باب المغرب.... وفعلا شعرت بمجال شديد يجذبني إلي هناك فصرخت هلعا ، ولكن الملاك أفهمني أن زمان التوبة قد مضي ، فندمت أشد الندم على تلويثي لثوبي وصمتت الملائكة بحزن شديد ولاحت علامات الانتصار على وجوه الشياطين وأخذت في البكاء والعويل.
وإذا بنور عظيم وبريق لامع وشخص كأنه لهيب نار لا أستطيع أن أعبر عن شدة جماله وروعته محاط بربوات الملائكة والقديسين ، فعرفته في الحال ، وسجدت له ورفعت عيني طالبا معونة.
نعم لقد شعرت إني كنت أعرفه منذ زمان وذقته كثيرا واختبرت معونته ويده الرحيمة بل كانت صورته في قلبي ويا للعجب فقد وجدت إني أشبهه وصورته تنطبق علي ما عدا ثوبي المتسخ ، أما صورته فقد أخذتها يوم ولدت منه في المعمودية ، إنه الأبرع جمالا من بني البشر ، إنه مشتهي قلبي وكل رجائي ، هذه اللحظة التي عشت حياتي أنتظرها ، هذا من آمنت به ووثقت فيه ، إنه لن يتركني أبدا ، الذي سلمته كل حياتي ، هذا محبوبي الذي ناديته ورنمت له.
وما أن مد يده حولي حتى رأيت في كفه آثار جرح عميق ويا للعجب إنه مازال ينزف وسقطت نقطة من هذا الجرح نقطة واحدة من دم إلهي ، سقطت على ثوبي فمحت منه كل خطية ، وهنا دوت صرخة هائلة من رئيس الشياطين فقد سقطت كل جماعته في الهوة السحيقة.
أما أنا فقد ألبسني ربي ثوبا ناصع البياض ورأيت ما لم تراه عين وانفتح باب المشرق وسمعت ترانيم الخلاص وأردت أن أكتب ما أراه لكني وجدت لغة البشر عاجزة عن التعبير.
ورأيت جماعة القديسين ورأيت امرأة جميلة ثوبها يلمع جدا كأنه موشى بالذهب لشدة تطابق حياتها مع طبيعة المسيح ورأيتها في حنان الأمومة تعطي كل من يسألها على الأرض ثوب برالمسيح ورأيت جماعة تتميز بتاج لامع عرفت منهم مارجرجس والقديسة دميانة وكثيرين ممن لم أسمع سيرتهم على الأرض لكن أسماءهم مكتوبة في السموات وتفوح منهم رائحة المسيح الذكية ، هؤلاء الذين نالوا إكليل الشهادة ورأيت جماعة من النساك بأجسادهم النورانية والكل يسبح ويرنم وشعرت إني لست أهلا أن أكون في هذا الموضع واشترك مع السمائيين في التسبحة ، وفهمت إني لم أكمل جهادي بعد ، ومازلت في الجسد ، لكن اشتياقي وحنيني للسماء كان قد التهب وتوهج ، فصممت أن أبدا غسل ثوبي في دم الخروف استعداد لهذا اليوم الرهيب.
هؤلاء هم الذين اتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف من اجل ذلك هم امام عرش الله ( رؤ 7 : 14 )

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers