لا اعرف لماذا يلح بخاطري هذه الأيام هاجس لقصة عشت أحداثها بالصدفة البحتة لكني وجدت فيها أن رُبا صدفة خير من ألف ميعاد ويبدو أن شهر مارس هو السبب لأنة شهر الأم، فكل نسمة تفوح فيه تذكرني بأمي.
المهم أنى شاب قوية البنية والإرادة تعلمت على طول حياتي أن أقوى ما في الحياة هو الإنسان. هذا الكائن الذي يستطيع أن يسير كل ما في الكون ويطوعه بإرادته، كانت هذه هي وجهة نظري الشخصية، بل الإيمان الذي بنيت عليه كل اعتقاداتي واتجاهاتي وحتى طموحاتي. وكثيرا ما كان هذا الإيمان محور دهشة واستغراب من أشخاص كثيرين، لدرجة أن بعضهم كان يحاول أن يقنعوني أن الإنسان ليس إلا مخلوق ضعيف، تسيره في كثير من الأحيان الظروف وقرارات الآخرين... إلى أخره من العبارات التي كنت اسمعها بأذني لا بقلبي أو بكياني، عبارات جوفاء لا تعبر سوى عن ضعف إرادة قائلها...
أما أنا فقد اعتدت أن أتحكم في حياتي وفي ظروفي وحتى في عواطفي وتعبيراتي، فالإنسان هو الأقوى.
وكانت حياتي تسير بطريقة عادية من طفولة وبلوغ وشباب وأنا على مبدئي هذا. فالتحقت بكلية الحقوق الكلية التي أحبه وأرغب فيها وتخرجت منها لأعمل بالمحاماة.
وكنت أسير دائما كعادتي، بخطى ثابتة قوية، حتى بداء أسمى يلمع في مجال عملي. أكبر وتكبر معي قناعتي بان الإنسان هو سيد حياته.
وفي إحدى الأيام كان عندي قضية في الإسكندرية فقررت أن اركب قطار التوربيني، فهو سريع ولا يقف على محافظات حتى اكسب وقت. وما أن تحرك القطار حتى بدأت استعد وامسك بأوراق قضيتي لأعيد التدقيق فيها والإلمام بكافة جوانبها .
لكن بالمقعد الذي أمامي جلس شاب طويل القامة وقوى البنية، وكانت تجلس إلى جواره سيدة منقبة. وما أن أمسكت بأوراق قضيتي حتى راح صوت تليفون هذا الشاب وبدا هذا الشاب يرد بصوت مرتفع إلى درجة أنه جذب انتباه الجميع: أيوه يا أمي مالك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ردي عليا في إيه؟؟؟؟؟؟؟ يعنى إيه نفسك مكروش طيب ثانية واحدة يا أمي أطلبلك داليا جارتنا
أنهى الشاب مكالمته لأمه وبدا يطلب داليا: الو داليا ارجوكى ماما تعبانه أوى انزلي بسرعة شفيها وطمنيني أنا في قطر الإسكندرية ومش عارف اعمل اية
طريقة كلام هذا الشاب جعلتني افقد كل تركيزي وقد أخذني القلق على أم هذا الشاب ونظرت نظرة حولي فإذا بكافة ركاب القطار ينتابهم نفس القلق ويبدو على وجوههم تجهم شديد ومتابعة لهذا الشاب ومكالماتة.
الوحيد الذي لا يشعر بأحد هو هذا الشاب المسكين وفى اقل من دقيقتين طلب داليا مرة أخرى: ها يا داليا إيه الأخبار ؟ نزلتي لماما؟ اية أخبارها ؟طيب بسرعة من فضلك انقليها المستشفى ربى
ماذا افعل فانا اشعر بهذا المسكين؟ هل اذهب لسائق القطار وأحكى له المشكلة واطلب منه أن يقف؟ طبعا هذا أمر مستحيل فالقطار يسير بسرعة بالغة ولا يمكن إيقافه هل نطلب منه أن يلقى بنفسه ؟؟؟؟ لكن هذا أمر يعرضه للموت ولا فائدة لن يذهب لامه. ولم أكن الوحيد الذي يفكر بهذا الأمر فالجميع، وإن لم يتكلموا كان يفكرون في نفس الشيء.
وأفيق من تفكيري هذا على صوته: ها يا داليا ها يا سامح إيه الأخبار دخلتوا المستشفى طيب طمنوني .قولوا لي إيه الحالة الدكاترة منزعجين ليه في إيه، طيب طيب أنا هقفل لكن طمنوني
يغلق الشاب الموبايل ويضع رأسه بين قدميه وهو يريد أن يحطمها وتحاول السيدة التي معه أن تخرجه من قلقه لكنه يصرخ في وجهها اشعر أن القطار سجن يسجن جسدي بداخلة ويسحق روحي تحت عجلاته أريد أن أرى أمي أريد أن أكون بجوارها الآن لا اسمع في أذني إلا صوت توجعها وألمها أريد أن تمسك يدي يداها فقد يخفف هذا ألمها ماذا افعل جزء منى يرقد بعيدا عنى ولا اعلم عنه شيء ولا أستطيع رويته اطلبيهم فانا لا أقوى على ضغط أزرار الموبايل وتأخذ السيدة الموبايل وتطلب داليا وسامح: ها يا جماعة إيه الأخبار ؟؟ لسه الحالة كما هي طيب لا أستطيع أن اصف لكم حاله خالد هنا طمنوننا من فضلكم
ما زالت السيدة في المستشفى حالتها بين الحياة والموت وما زال ابنها هنا يأخذه القطار لمسافات تزيد البعد بينه وبينها.
أما أنا فلم استطع إلا أن أعيد أوراق قضيتي إلى الحقيبة فلا قلبي ولا عقلي يستطيعا أن يركزا معي في شئ إلا حاله هذا المسكين
ويرفع الشاب رأسه ويقول للفتاة التي معه: ماذا قالوا لكَ؟ فتقول: خير أن شاء الله الدكاترة معاها وحتبقى كويسه يا خالد تماسك
فيقول كيف أتماسك أنت عارفه إن أمي لا تملك من الحياة سوانا أنا وأختي عاشت لنا ووهبت حياتها لكلانا لاسيما بعد وفاة أبى كرست كل دقيقة من عمرها لتعطينا إياها ولم نشعر في ظل حبها وحنانها أن شئ ينقصنا وقالت يوم أن زوجت أختي أن نصف رسالتها اكتمل على أكمل وجه ورغم أن اخطي ستعيش في الإسكندرية بعيدا عنها لكنها سعيدة لأنها تراها في بيتها مع من أحبته وأحبها ولان حالتها الصحية لا تسمح طلبت منى ومذ عدة أيام بإلحاح أن اذهب لزيارة أختي فقد أعدت لها كل ما تحبه من فطير وحمام وقالت أنا قلقانة على أختك وطيفها لا يفارقني منذ أيام وقلبي يدق بقوة كلما تذكرتها يا أبنى كم كنت أتمنى أن أتى معك لأراها هي وابنها بسهوملي قوى وقولهم ماما...
ولم يكمل هذا الشاب كلامه حتى دق تليفونه المحمول وكلنا رجاء أن نسمع خبرا يطمئننا على والدته...
وبالفعل اخذ الموبايل ويداه ترتعشان ايوه يا داليا إيه الأخبار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إيه إيه أمي ماتت ..... ماتت
ورمى الموبايل واخذ يدق بيده كل القطار ماتت ماتت
سكين تذبح هذا المسكين
والآم يسحق كل الموجودين
والقطار يسير بلا هوادة ودون مبالاة.
أما أنا، فقد اختفت كل الأصوات من حولي، ولم اعد اسمع إلا تساؤل يزلزلني: أين قوه الإنسان؟ وأين تَحَكُمُه في الظروف؟ ومن كان المخطئ هنا؟
نزلت من القطار شخص أخر غير الذي ركبه.
فقط ساعتان زمن قد غيرا مجرى أفكاري واعتقادي
واعتبرت نفسي نزلت من قطار التحول....
المهم أنى شاب قوية البنية والإرادة تعلمت على طول حياتي أن أقوى ما في الحياة هو الإنسان. هذا الكائن الذي يستطيع أن يسير كل ما في الكون ويطوعه بإرادته، كانت هذه هي وجهة نظري الشخصية، بل الإيمان الذي بنيت عليه كل اعتقاداتي واتجاهاتي وحتى طموحاتي. وكثيرا ما كان هذا الإيمان محور دهشة واستغراب من أشخاص كثيرين، لدرجة أن بعضهم كان يحاول أن يقنعوني أن الإنسان ليس إلا مخلوق ضعيف، تسيره في كثير من الأحيان الظروف وقرارات الآخرين... إلى أخره من العبارات التي كنت اسمعها بأذني لا بقلبي أو بكياني، عبارات جوفاء لا تعبر سوى عن ضعف إرادة قائلها...
أما أنا فقد اعتدت أن أتحكم في حياتي وفي ظروفي وحتى في عواطفي وتعبيراتي، فالإنسان هو الأقوى.
وكانت حياتي تسير بطريقة عادية من طفولة وبلوغ وشباب وأنا على مبدئي هذا. فالتحقت بكلية الحقوق الكلية التي أحبه وأرغب فيها وتخرجت منها لأعمل بالمحاماة.
وكنت أسير دائما كعادتي، بخطى ثابتة قوية، حتى بداء أسمى يلمع في مجال عملي. أكبر وتكبر معي قناعتي بان الإنسان هو سيد حياته.
وفي إحدى الأيام كان عندي قضية في الإسكندرية فقررت أن اركب قطار التوربيني، فهو سريع ولا يقف على محافظات حتى اكسب وقت. وما أن تحرك القطار حتى بدأت استعد وامسك بأوراق قضيتي لأعيد التدقيق فيها والإلمام بكافة جوانبها .
لكن بالمقعد الذي أمامي جلس شاب طويل القامة وقوى البنية، وكانت تجلس إلى جواره سيدة منقبة. وما أن أمسكت بأوراق قضيتي حتى راح صوت تليفون هذا الشاب وبدا هذا الشاب يرد بصوت مرتفع إلى درجة أنه جذب انتباه الجميع: أيوه يا أمي مالك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ردي عليا في إيه؟؟؟؟؟؟؟ يعنى إيه نفسك مكروش طيب ثانية واحدة يا أمي أطلبلك داليا جارتنا
أنهى الشاب مكالمته لأمه وبدا يطلب داليا: الو داليا ارجوكى ماما تعبانه أوى انزلي بسرعة شفيها وطمنيني أنا في قطر الإسكندرية ومش عارف اعمل اية
طريقة كلام هذا الشاب جعلتني افقد كل تركيزي وقد أخذني القلق على أم هذا الشاب ونظرت نظرة حولي فإذا بكافة ركاب القطار ينتابهم نفس القلق ويبدو على وجوههم تجهم شديد ومتابعة لهذا الشاب ومكالماتة.
الوحيد الذي لا يشعر بأحد هو هذا الشاب المسكين وفى اقل من دقيقتين طلب داليا مرة أخرى: ها يا داليا إيه الأخبار ؟ نزلتي لماما؟ اية أخبارها ؟طيب بسرعة من فضلك انقليها المستشفى ربى
ماذا افعل فانا اشعر بهذا المسكين؟ هل اذهب لسائق القطار وأحكى له المشكلة واطلب منه أن يقف؟ طبعا هذا أمر مستحيل فالقطار يسير بسرعة بالغة ولا يمكن إيقافه هل نطلب منه أن يلقى بنفسه ؟؟؟؟ لكن هذا أمر يعرضه للموت ولا فائدة لن يذهب لامه. ولم أكن الوحيد الذي يفكر بهذا الأمر فالجميع، وإن لم يتكلموا كان يفكرون في نفس الشيء.
وأفيق من تفكيري هذا على صوته: ها يا داليا ها يا سامح إيه الأخبار دخلتوا المستشفى طيب طمنوني .قولوا لي إيه الحالة الدكاترة منزعجين ليه في إيه، طيب طيب أنا هقفل لكن طمنوني
يغلق الشاب الموبايل ويضع رأسه بين قدميه وهو يريد أن يحطمها وتحاول السيدة التي معه أن تخرجه من قلقه لكنه يصرخ في وجهها اشعر أن القطار سجن يسجن جسدي بداخلة ويسحق روحي تحت عجلاته أريد أن أرى أمي أريد أن أكون بجوارها الآن لا اسمع في أذني إلا صوت توجعها وألمها أريد أن تمسك يدي يداها فقد يخفف هذا ألمها ماذا افعل جزء منى يرقد بعيدا عنى ولا اعلم عنه شيء ولا أستطيع رويته اطلبيهم فانا لا أقوى على ضغط أزرار الموبايل وتأخذ السيدة الموبايل وتطلب داليا وسامح: ها يا جماعة إيه الأخبار ؟؟ لسه الحالة كما هي طيب لا أستطيع أن اصف لكم حاله خالد هنا طمنوننا من فضلكم
ما زالت السيدة في المستشفى حالتها بين الحياة والموت وما زال ابنها هنا يأخذه القطار لمسافات تزيد البعد بينه وبينها.
أما أنا فلم استطع إلا أن أعيد أوراق قضيتي إلى الحقيبة فلا قلبي ولا عقلي يستطيعا أن يركزا معي في شئ إلا حاله هذا المسكين
ويرفع الشاب رأسه ويقول للفتاة التي معه: ماذا قالوا لكَ؟ فتقول: خير أن شاء الله الدكاترة معاها وحتبقى كويسه يا خالد تماسك
فيقول كيف أتماسك أنت عارفه إن أمي لا تملك من الحياة سوانا أنا وأختي عاشت لنا ووهبت حياتها لكلانا لاسيما بعد وفاة أبى كرست كل دقيقة من عمرها لتعطينا إياها ولم نشعر في ظل حبها وحنانها أن شئ ينقصنا وقالت يوم أن زوجت أختي أن نصف رسالتها اكتمل على أكمل وجه ورغم أن اخطي ستعيش في الإسكندرية بعيدا عنها لكنها سعيدة لأنها تراها في بيتها مع من أحبته وأحبها ولان حالتها الصحية لا تسمح طلبت منى ومذ عدة أيام بإلحاح أن اذهب لزيارة أختي فقد أعدت لها كل ما تحبه من فطير وحمام وقالت أنا قلقانة على أختك وطيفها لا يفارقني منذ أيام وقلبي يدق بقوة كلما تذكرتها يا أبنى كم كنت أتمنى أن أتى معك لأراها هي وابنها بسهوملي قوى وقولهم ماما...
ولم يكمل هذا الشاب كلامه حتى دق تليفونه المحمول وكلنا رجاء أن نسمع خبرا يطمئننا على والدته...
وبالفعل اخذ الموبايل ويداه ترتعشان ايوه يا داليا إيه الأخبار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إيه إيه أمي ماتت ..... ماتت
ورمى الموبايل واخذ يدق بيده كل القطار ماتت ماتت
سكين تذبح هذا المسكين
والآم يسحق كل الموجودين
والقطار يسير بلا هوادة ودون مبالاة.
أما أنا، فقد اختفت كل الأصوات من حولي، ولم اعد اسمع إلا تساؤل يزلزلني: أين قوه الإنسان؟ وأين تَحَكُمُه في الظروف؟ ومن كان المخطئ هنا؟
نزلت من القطار شخص أخر غير الذي ركبه.
فقط ساعتان زمن قد غيرا مجرى أفكاري واعتقادي
واعتبرت نفسي نزلت من قطار التحول....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق