في بلاد المسيح ولدت .. فلسطين الحبيبة
نحن ما يطلق علينا عرب الضفة ولدت في أواخرالخمسينات تحت سقف الاحتلال .. عشت في وطن ليس بوطني ولكن من منا يختار ميلاده أو كفنه
عائلتي مكونة من سبعة أولاد و أربع بنات، مات أبى وأنا في الثامنة من عمري .. ليكتمل الحزن في قلبي بميلاد بلا وطن .. وطفل بلا أب وكأن السماء تناصبني العداء .. أظن أن زمان الطفولة هو الذي يشكل اله كل منا
أتخيل أنكم بدأتم تشكلوا معي ملامح الهي. قريتي كانت بجوار القدس .. بجوار( أورشليم) أورشليم ..قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين .. وصالبة المسيح
عندما تولد في القدس تصبح فدائيا قد تم ترويضه، وطفل ليس كأطفال الحجارة الثوريين، ولكن من يقدر أن يسجن الروح والقلب .. لا الزنازين تقدر أن تفعل ذلك .. ولا قوى الاحتلال لذلك كنت أحمل قلب أطفال الحجارة .. روح أطفال الحجارة .. ثورة أطفال الحجارة
رغم إنني لم أر في قريتي مظاهرة واحدة أو أي نوع من انتفاضة، لكن أتذكر وأنا طفل كنت أسبح في خيالي وفي أحلام اليقظة التي كنت أتخيل فيها أنني أحرر فلسطين وكانت أحلام التحرير في خيالي تنتهي دائما باستشهادي
حقا كنت طفلا فلسطينيا بمعنى الكلمة رغم محاولة الاحتلال مسخ الشباب العرب لكي ينسوا جذورهم ووطنهم وبكاء أمهاتهم
وبالفعل أصبح الحزن لنا لغة تعلمناها منذ الطفولة، عاجزون ومحاصرون في كل شيء، في لقمة العيش وفي المسكن وفي المدرسة وفي الشارع، نحن لسنا كأطفال اليهود، التفرقة واضحة في كل شيء وتمييز المحتل واضح لنا وضوح الشمس فشعب يفرق بين يهودي شرقي ويهودي غربي، كيف لا يفرق بينه وبيننا
كل هذه الأشياء كانت تشكلني وتشكل إيماني بالله الذي كان بالنسبة لي الملجأ الأول والأخير، فأنا كنت أصلي وأصوم حتى سن 15 سنة لكن ما النتيجة ؟
ما الذي حدث ؟ هل حدثت معجزة فأصبحنا أحرارا ؟ هل عاد لنا وطننا؟!! هل أقام الهي شهداءنا من القبور ؟!! هل أعاد لنا أفراحنا التي ضاعت وأوقف نزيف دمائنا ؟!! هل أعاد المنفيين إلى أوطانهم. ؟
وهل .. وهل .. وهل .. ملايين من علامات الاستفهام التي تفجرت في داخلي ضد قدرنا الذي حكمت السماء به علينا لماذا الموت والإبادة والنفي والسجن يكون مصيرنا نحن دون باقي الشعوب ؟ هل هذه هي مشيئة السماء ؟!! وكانت الإجابة بداخلي .. نعم
وبالتالي رفضت هذا القدر وهذا المصير وهذا الإله، وعشت أربع سنوات لا أؤمن باله .. كفر صريح يسكن في القلب ويعلنه اللسان والعمل، وبالتالي فقدت حياتي معناها وتلاشت كل القيم والمبادئ في داخلي
وبالفعل ارتكبت كل الخطايا والذنوب، الكبائر منها والصغائر إلى أن حدث شيء كان بداية لتغيير حياتي، وهو تعرفي على آنسة أوروبية اسمها " تينا "كانت موجودة في القدس لمدة سنة، تعارفنا و أصبحنا أصدقاء فهي ليست مثل هؤلاء الأشخاص الذين تقابلهم كل يوم بل على العكس، هي من هذا النوع النادر الوجود الذي إذا تعرفت إليه لا تقدر أن تنساه
إنسان بمعنى الكلمة تشع حيوية وحضورا خاصا . حضور يشعرك انك مهم وانك إنسان متحضر وأن الوقت غالي، نعم هي بالحقيقة المرأة التي معها تشعر أن كل شيء تحول إلى معنى وقيمة في لحظة. تينا تتكلم أربع لغات بطلاقة . وكانت دائماً تقول لا يوجد وجه مقارنة بين ربيع وصيف أوروبا وربيع القدس حيث الحدائق الخلابة والحقول المزهرة
بدأت تينا تشعر بعدم الرضا لأنها بدأت تنجذب لشخص مسلم فهي تعلم بأن عائلتها عائلة محافظة وملتزمة جدا بالديانة المسيحية و لن تقبل أي تطور شرعي لهذه العلاقة
و بدأت تينا تخطط للعودة إلى بلادها وكان هذا بعد عام من بقائها في القدس وقد مر علينا وكأنه يوم . و أنا أيضاً بدأت أخطط للسفر إلى أوروبا وابتهجت تينا لقراري وبالفعل سافرت إليها وكان ذلك في يوليو 1979 وكانت تينا هي مرشدي السياحي
أتذكر تلك الزيارة لعائلتها و كان استقبال العائلة لي دافئا تكلمنا مرة في موضوع أكل لحم الخنزير في أوروبا والدول الغربية. وعندما تكلمت مع تينا بخصوص ذلك الأمر قالت لي ما أذهلني : قالت لي أن الرب يسوع المسيح قال : أن ما ينجس الإنسان ليس هو الطعام أو الشراب و لكن هو ما يخرج من القلب و النيات هو الذي ينجس الإنسان
كانت هذه الزيارة هي بمثابة وضع النقط فوق الحروف بالنسبة لعلاقتنا فنحن بدأنا نشعر أننا لسنا فقط صديقين بل حبيبين وبالفعل قررنا الزواج
بالنسبة لي لم يكن قرار الزواج قرارا عاديا بل سَرب إلي اللبنة الأولى بالإحساس بالمسئولية وفي هذه الفترة التي نزلت فيها القدس لأعد لزواجنا كانت أمي تنتظرني بلهفة فأمي مسلمة متدينة وذات شخصية قوية
قالت لي أنها ترفض ذهابي إلى أوروبا للزواج و لكن يجب على تينا أن تأتي للقدس للزواج ليكون الزواج إسلاميا و على سنة الله و رسوله
و كان هذا هو الشائع في فلسطين - فالمرأة الغربية التي تتزوج من مسلم تصبح مسلمة و ترتدي الحجاب و تتعلم اللغة العربية و القرآن - وفي ذاك الوقت كانت تينا تتوب و تعيد تجديد علاقتها مع إلهها ومخلصها يسوع المسيح ، فأصبحت مسيحية بمعنى الكلمة وبعد ترتيب أموري سافرت إلى أوروبا وتزوجنا . كان زواجنا حقا أهم خطوة وأجمل خطوة اتخذتها في حياتي في ذلك الوقت
لم تكن تينا مسيحية بالمعنى المبتذل أو العقيم المتعارف عليه بين الزوجات المؤمنات المتزوجات رجال غير مؤمنين أو العكس بأن تجلس تعظ لي ليل نهار أو توبخني على أعمالي الشريرة والسلبية من وجهة نظرها أو تشعرني حتى أنى أقل منها في شيء .. لم تكن تينا زوجتي تفعل ذلك على الإطلاق بل كانت زوجة فاضلة من يجدها يتغير ويصير مخلوقا على صورة الله
كانت خاضعة لي وكانت تعرف كيف تتعامل مع رجل شرقي له كلمته ويحترم رجولته إلى أبعد ح، لكن كل هذا أثر في ولكن لم يغيرني بالكامل، فما زلت أعاود أعمالي الشريرة
أسكر وأسهر طول الليل في الحانات و خارج البيت كان كل هذا يجعلني مزاجيا جدا، كم قاست معي تينا ، أشياء تفوق قدرة كل إنسان لكنها بحق امرأة تشابه المسيح وليتني كنت أسكر فقط ، بل تعاطيت كل أنواع المخدرات. كانت سنوات مليئة بالعبودية لإبليس ولكن كان في وسط ذلك الشوك وردة ثابتة لم تتغير محبتها هي زوجتي تينا التي كنت أفتخر بإيمانها وأخلاقها أمام الجميع
خمس سنوات كاملة أعيش في هذا الضياع وكأنني أحضرت للموت وكأني انتحر ببطيء وكانت تينا تصلي وتدعو الله من أجلي لكي يخلصني وينقذني، لم تصمت ولم تجعل الله يصمت وبالفعل استجابت لها السماء
وكان هذا في آخر يوم من سنة 1984، كنت أمشي في الشارع مترنحا بعد ليلة طويلة من السكر، قابلني شخص ودعاني أن اذهب إلى منزله لأشرب معه كوبا من الشاي . كنت ثملا لكني وافقت وذهبت معه ، وجلسنا نتكلم لمدة ساعتين أو أكثر
في الصباح لم أتذكر إلا القليل من الحديث تذكرت انه سألني عن إيماني بالله، وأجبته بنعم أؤمن بالله وبرسله وبأنبيائه موسى وعيسى ومحمد
وقال أنا لا اعرف إلا طريقا واحدا هو الذي يدخل به الإنسان إلى السماء-الجنة- هذا الطريق الوحيد هو إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي به تمت المصالحة بين الإنسان و الله والذي بدونه لن تقدر أن تدخل السماء مهما فعلت من أعمال صالحة أو حسنات، وقال لي اقرأ إنجيل يوحنا
هذا كل ما تذكرته وتذكرت أنني تركته وأنا متضايق جدا منه ولكني أحببت جرأته وصراحته، ودعوته إلى منزلي وأعطيته عنواني وكان ميعادنا التالي يوم الجمعة. وبالفعل بحثت عن إنجيل زوجتي وبدأت اقرأ في إنجيل يوحنا، قرأته أكثر من مرة
كنت أحاول أن أكون مستعدا لنقاش يوم الجمعة الذي قررت فيه أن لا اسكر حتى أناقش وأنا في كامل قواي العقلية، فأتى ومعه شخص أخر اسمه نيلس وبدأ يكلماني عن الله المحب لي ولكل البشر وكيف يهتم الله بكل واحد منا اهتماما خاصا ومتميزا وكيف أنتج و أثمر شر الإنسان وأنانيته كل الآلام الموجودة في الأرض ( أرض السقوط ) ولكن الله غير راض عن شر الإنسان ولا على نتائج هذا الشر، فالله لا يريد لنا المتاعب ولا الآلام التي نجلبها على أنفسنا : ما يزرعه الإنسان إياه يحصد . فالله المحب الحقيقي لا يجرب أحدا بالشرور، بل هو منبع الخير والصلاح والقداسة والرعاية، كنت أصغي لهما بكل كياني .. كياني العطشان واليابس
تعددت جلستي معهم ومع الإنجيل ومع زوجتي، لدرجة أصبح فيها الدين هو مركز اهتماماتي وبحثي بعد سنين من العبث واللا شيء و كانت تينا تريد أن تجعلني أكتشف المسيح ( المسيا ) المنتظر في التوراة لكي تثبت لي أن المسيح هو محور التوراة والإنجيل محور الوحي لأنها كانت تعلم أنني أجيد اللغة العبرية وهي لغة التوراة، و بالفعل بدأت تخرج لي كل النبوات التي تتكلم عن المسيح، التي كادت تقترب من ثلاثمائة نبوة تتكلم عن المسيح وعن ميلاده المعجزي وعن حياته وآلامه وصلبه وموته و قيامته العجيبة
كل هذا اكتشفته أنه موجود قبل المسيح بمئات وآلاف السنين، وهذا الاكتشاف بدأ يزلزل كياني لدرجة أنني اندهشت من اليهود كيف وهم يقرءون التوراة كل يوم لم يؤمنوا بالمسيح ( المسيا المنتظر ) فبالحق الله هو الهادي و ليست القراءة العمياء. و بدأت أكتشف أن المسيح شخصية غير عادية، فهومركز التوراة و مازال اليهود ينتظرونه و نحن المسلمون أيضاً ننتظر المسيح كحاكم عادل و ديان الجميع. والمسيحيون ينتظرون المسيح كإله و كملك من يكون هذا الشخص الذي ينتظره الجميع؟ يهود ومسيحيون ومسلمون؟
إذا كان المسيح بشراً عادياً فأنه بذلك أخذ أكثر مما ينبغي حتى من الأديان الأخرى التي لها أنبياء مثله موسى في التوراة و محمد في الإسلام فبالأولى أن ينتظر اليهود موسى والمسلمون محمد ولكن لم يحدث ذلك بل مازال ينتظر الجميع يسوع المسيح
حتى معجزات المسيح لم تشابه معجزات بقية الأنبياء والسبب هنا ليس كما يقولون أن الاختلاف راجع لاختلاف الرسائل والشعوب المرسل لهم، لكن الاختلاف هو أن المسيح هو النبي الوحيد الذي شابه الله في صفاته وفي قدرته إلى درجة التطابق فكيف يعطي الله نبياً أياً كانت مكانته ورسالته هذا الامتياز أن يكون شريكًا له في صفاته و قدراته و قداسته بل أيضاً في محبته؟
وصل الصراع إلى ذروته بداخلي رغم أني لم أكن مسلما متزمتا بل كنت ملحدا في كثير من الوقت ولكن ما أصعب الدين في الشرق فهو موجود في الجينات وفي دمائنا وعظمنا - فلا يوجد أصعب من أن يغير الإنسان عقيدته التي ولد وتربى ونما فيها
كنت أفكر لو أن الحسنات تذهبن السيئات بحق فأنا أحتاج لعمر فوق عمري لكي أصنع حسنات تزيل وتمسح سيئاتي الكثيرة جداً، لذلك لا خلاص لي بالحسنات أو الأعمال الصالحة فمن يخلصني وينقذني من حياة الذنوب و العبث؟؟؟؟
من يخلصني إذن .. في هذه الفترة بدأ المسيح ينمو بداخلي بشكل لم ألاحظه وأخيراً لم أقوى على الصراع فصرخت إلى الله وقلت له عرفني الحقيقة من هو الدين الصحيح فالأديان السماوية تؤمن أنك واحد ولكن الاختلاف هو هل مازلت بعيداً عنا في السماء السابعة أم أنك تجسدت و صرت قريباً منا ومتحد بنا
قلت له لو كنت يا يسوع المسيح حقا إلهي ومخلصي فغير حياتي وحول هذا القلب الأسود لقلب أبيض من قلب يكره إلى قلب يحب، من قلب نجس و غير طاهر إلى قلب مليء بالقداسة و الطهارة و العفة
وبالفعل بدأت حياتي تتغير بشكل لم أكن أتخيله وبدأت السعادة تملأ كياني بلا مخدرات أو أي نوع من الخمور. وبالفعل بدأت حياتي تتغير فأصبحت لي أهداف واضحة ومبادئ واضحة ومعنى واضح لحياتي وإله مستعد أن اخسر من أجله كل شئ فهو وحده يكفيني. وأخيراً ابتهجت زوجتي لأنها رأت حصاد دموعها وصلواتها والآن أصبح بيتنا كنيسة و عروسا للمسيح وبدأت حياة الخدمة والمعجزات والاختبارات العظيمة ولكن لهذا حديث آخر لمجد يسوع المسيح
نحن ما يطلق علينا عرب الضفة ولدت في أواخرالخمسينات تحت سقف الاحتلال .. عشت في وطن ليس بوطني ولكن من منا يختار ميلاده أو كفنه
عائلتي مكونة من سبعة أولاد و أربع بنات، مات أبى وأنا في الثامنة من عمري .. ليكتمل الحزن في قلبي بميلاد بلا وطن .. وطفل بلا أب وكأن السماء تناصبني العداء .. أظن أن زمان الطفولة هو الذي يشكل اله كل منا
أتخيل أنكم بدأتم تشكلوا معي ملامح الهي. قريتي كانت بجوار القدس .. بجوار( أورشليم) أورشليم ..قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين .. وصالبة المسيح
عندما تولد في القدس تصبح فدائيا قد تم ترويضه، وطفل ليس كأطفال الحجارة الثوريين، ولكن من يقدر أن يسجن الروح والقلب .. لا الزنازين تقدر أن تفعل ذلك .. ولا قوى الاحتلال لذلك كنت أحمل قلب أطفال الحجارة .. روح أطفال الحجارة .. ثورة أطفال الحجارة
رغم إنني لم أر في قريتي مظاهرة واحدة أو أي نوع من انتفاضة، لكن أتذكر وأنا طفل كنت أسبح في خيالي وفي أحلام اليقظة التي كنت أتخيل فيها أنني أحرر فلسطين وكانت أحلام التحرير في خيالي تنتهي دائما باستشهادي
حقا كنت طفلا فلسطينيا بمعنى الكلمة رغم محاولة الاحتلال مسخ الشباب العرب لكي ينسوا جذورهم ووطنهم وبكاء أمهاتهم
وبالفعل أصبح الحزن لنا لغة تعلمناها منذ الطفولة، عاجزون ومحاصرون في كل شيء، في لقمة العيش وفي المسكن وفي المدرسة وفي الشارع، نحن لسنا كأطفال اليهود، التفرقة واضحة في كل شيء وتمييز المحتل واضح لنا وضوح الشمس فشعب يفرق بين يهودي شرقي ويهودي غربي، كيف لا يفرق بينه وبيننا
كل هذه الأشياء كانت تشكلني وتشكل إيماني بالله الذي كان بالنسبة لي الملجأ الأول والأخير، فأنا كنت أصلي وأصوم حتى سن 15 سنة لكن ما النتيجة ؟
ما الذي حدث ؟ هل حدثت معجزة فأصبحنا أحرارا ؟ هل عاد لنا وطننا؟!! هل أقام الهي شهداءنا من القبور ؟!! هل أعاد لنا أفراحنا التي ضاعت وأوقف نزيف دمائنا ؟!! هل أعاد المنفيين إلى أوطانهم. ؟
وهل .. وهل .. وهل .. ملايين من علامات الاستفهام التي تفجرت في داخلي ضد قدرنا الذي حكمت السماء به علينا لماذا الموت والإبادة والنفي والسجن يكون مصيرنا نحن دون باقي الشعوب ؟ هل هذه هي مشيئة السماء ؟!! وكانت الإجابة بداخلي .. نعم
وبالتالي رفضت هذا القدر وهذا المصير وهذا الإله، وعشت أربع سنوات لا أؤمن باله .. كفر صريح يسكن في القلب ويعلنه اللسان والعمل، وبالتالي فقدت حياتي معناها وتلاشت كل القيم والمبادئ في داخلي
وبالفعل ارتكبت كل الخطايا والذنوب، الكبائر منها والصغائر إلى أن حدث شيء كان بداية لتغيير حياتي، وهو تعرفي على آنسة أوروبية اسمها " تينا "كانت موجودة في القدس لمدة سنة، تعارفنا و أصبحنا أصدقاء فهي ليست مثل هؤلاء الأشخاص الذين تقابلهم كل يوم بل على العكس، هي من هذا النوع النادر الوجود الذي إذا تعرفت إليه لا تقدر أن تنساه
إنسان بمعنى الكلمة تشع حيوية وحضورا خاصا . حضور يشعرك انك مهم وانك إنسان متحضر وأن الوقت غالي، نعم هي بالحقيقة المرأة التي معها تشعر أن كل شيء تحول إلى معنى وقيمة في لحظة. تينا تتكلم أربع لغات بطلاقة . وكانت دائماً تقول لا يوجد وجه مقارنة بين ربيع وصيف أوروبا وربيع القدس حيث الحدائق الخلابة والحقول المزهرة
بدأت تينا تشعر بعدم الرضا لأنها بدأت تنجذب لشخص مسلم فهي تعلم بأن عائلتها عائلة محافظة وملتزمة جدا بالديانة المسيحية و لن تقبل أي تطور شرعي لهذه العلاقة
و بدأت تينا تخطط للعودة إلى بلادها وكان هذا بعد عام من بقائها في القدس وقد مر علينا وكأنه يوم . و أنا أيضاً بدأت أخطط للسفر إلى أوروبا وابتهجت تينا لقراري وبالفعل سافرت إليها وكان ذلك في يوليو 1979 وكانت تينا هي مرشدي السياحي
أتذكر تلك الزيارة لعائلتها و كان استقبال العائلة لي دافئا تكلمنا مرة في موضوع أكل لحم الخنزير في أوروبا والدول الغربية. وعندما تكلمت مع تينا بخصوص ذلك الأمر قالت لي ما أذهلني : قالت لي أن الرب يسوع المسيح قال : أن ما ينجس الإنسان ليس هو الطعام أو الشراب و لكن هو ما يخرج من القلب و النيات هو الذي ينجس الإنسان
كانت هذه الزيارة هي بمثابة وضع النقط فوق الحروف بالنسبة لعلاقتنا فنحن بدأنا نشعر أننا لسنا فقط صديقين بل حبيبين وبالفعل قررنا الزواج
بالنسبة لي لم يكن قرار الزواج قرارا عاديا بل سَرب إلي اللبنة الأولى بالإحساس بالمسئولية وفي هذه الفترة التي نزلت فيها القدس لأعد لزواجنا كانت أمي تنتظرني بلهفة فأمي مسلمة متدينة وذات شخصية قوية
قالت لي أنها ترفض ذهابي إلى أوروبا للزواج و لكن يجب على تينا أن تأتي للقدس للزواج ليكون الزواج إسلاميا و على سنة الله و رسوله
و كان هذا هو الشائع في فلسطين - فالمرأة الغربية التي تتزوج من مسلم تصبح مسلمة و ترتدي الحجاب و تتعلم اللغة العربية و القرآن - وفي ذاك الوقت كانت تينا تتوب و تعيد تجديد علاقتها مع إلهها ومخلصها يسوع المسيح ، فأصبحت مسيحية بمعنى الكلمة وبعد ترتيب أموري سافرت إلى أوروبا وتزوجنا . كان زواجنا حقا أهم خطوة وأجمل خطوة اتخذتها في حياتي في ذلك الوقت
لم تكن تينا مسيحية بالمعنى المبتذل أو العقيم المتعارف عليه بين الزوجات المؤمنات المتزوجات رجال غير مؤمنين أو العكس بأن تجلس تعظ لي ليل نهار أو توبخني على أعمالي الشريرة والسلبية من وجهة نظرها أو تشعرني حتى أنى أقل منها في شيء .. لم تكن تينا زوجتي تفعل ذلك على الإطلاق بل كانت زوجة فاضلة من يجدها يتغير ويصير مخلوقا على صورة الله
كانت خاضعة لي وكانت تعرف كيف تتعامل مع رجل شرقي له كلمته ويحترم رجولته إلى أبعد ح، لكن كل هذا أثر في ولكن لم يغيرني بالكامل، فما زلت أعاود أعمالي الشريرة
أسكر وأسهر طول الليل في الحانات و خارج البيت كان كل هذا يجعلني مزاجيا جدا، كم قاست معي تينا ، أشياء تفوق قدرة كل إنسان لكنها بحق امرأة تشابه المسيح وليتني كنت أسكر فقط ، بل تعاطيت كل أنواع المخدرات. كانت سنوات مليئة بالعبودية لإبليس ولكن كان في وسط ذلك الشوك وردة ثابتة لم تتغير محبتها هي زوجتي تينا التي كنت أفتخر بإيمانها وأخلاقها أمام الجميع
خمس سنوات كاملة أعيش في هذا الضياع وكأنني أحضرت للموت وكأني انتحر ببطيء وكانت تينا تصلي وتدعو الله من أجلي لكي يخلصني وينقذني، لم تصمت ولم تجعل الله يصمت وبالفعل استجابت لها السماء
وكان هذا في آخر يوم من سنة 1984، كنت أمشي في الشارع مترنحا بعد ليلة طويلة من السكر، قابلني شخص ودعاني أن اذهب إلى منزله لأشرب معه كوبا من الشاي . كنت ثملا لكني وافقت وذهبت معه ، وجلسنا نتكلم لمدة ساعتين أو أكثر
في الصباح لم أتذكر إلا القليل من الحديث تذكرت انه سألني عن إيماني بالله، وأجبته بنعم أؤمن بالله وبرسله وبأنبيائه موسى وعيسى ومحمد
وقال أنا لا اعرف إلا طريقا واحدا هو الذي يدخل به الإنسان إلى السماء-الجنة- هذا الطريق الوحيد هو إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي به تمت المصالحة بين الإنسان و الله والذي بدونه لن تقدر أن تدخل السماء مهما فعلت من أعمال صالحة أو حسنات، وقال لي اقرأ إنجيل يوحنا
هذا كل ما تذكرته وتذكرت أنني تركته وأنا متضايق جدا منه ولكني أحببت جرأته وصراحته، ودعوته إلى منزلي وأعطيته عنواني وكان ميعادنا التالي يوم الجمعة. وبالفعل بحثت عن إنجيل زوجتي وبدأت اقرأ في إنجيل يوحنا، قرأته أكثر من مرة
كنت أحاول أن أكون مستعدا لنقاش يوم الجمعة الذي قررت فيه أن لا اسكر حتى أناقش وأنا في كامل قواي العقلية، فأتى ومعه شخص أخر اسمه نيلس وبدأ يكلماني عن الله المحب لي ولكل البشر وكيف يهتم الله بكل واحد منا اهتماما خاصا ومتميزا وكيف أنتج و أثمر شر الإنسان وأنانيته كل الآلام الموجودة في الأرض ( أرض السقوط ) ولكن الله غير راض عن شر الإنسان ولا على نتائج هذا الشر، فالله لا يريد لنا المتاعب ولا الآلام التي نجلبها على أنفسنا : ما يزرعه الإنسان إياه يحصد . فالله المحب الحقيقي لا يجرب أحدا بالشرور، بل هو منبع الخير والصلاح والقداسة والرعاية، كنت أصغي لهما بكل كياني .. كياني العطشان واليابس
تعددت جلستي معهم ومع الإنجيل ومع زوجتي، لدرجة أصبح فيها الدين هو مركز اهتماماتي وبحثي بعد سنين من العبث واللا شيء و كانت تينا تريد أن تجعلني أكتشف المسيح ( المسيا ) المنتظر في التوراة لكي تثبت لي أن المسيح هو محور التوراة والإنجيل محور الوحي لأنها كانت تعلم أنني أجيد اللغة العبرية وهي لغة التوراة، و بالفعل بدأت تخرج لي كل النبوات التي تتكلم عن المسيح، التي كادت تقترب من ثلاثمائة نبوة تتكلم عن المسيح وعن ميلاده المعجزي وعن حياته وآلامه وصلبه وموته و قيامته العجيبة
كل هذا اكتشفته أنه موجود قبل المسيح بمئات وآلاف السنين، وهذا الاكتشاف بدأ يزلزل كياني لدرجة أنني اندهشت من اليهود كيف وهم يقرءون التوراة كل يوم لم يؤمنوا بالمسيح ( المسيا المنتظر ) فبالحق الله هو الهادي و ليست القراءة العمياء. و بدأت أكتشف أن المسيح شخصية غير عادية، فهومركز التوراة و مازال اليهود ينتظرونه و نحن المسلمون أيضاً ننتظر المسيح كحاكم عادل و ديان الجميع. والمسيحيون ينتظرون المسيح كإله و كملك من يكون هذا الشخص الذي ينتظره الجميع؟ يهود ومسيحيون ومسلمون؟
إذا كان المسيح بشراً عادياً فأنه بذلك أخذ أكثر مما ينبغي حتى من الأديان الأخرى التي لها أنبياء مثله موسى في التوراة و محمد في الإسلام فبالأولى أن ينتظر اليهود موسى والمسلمون محمد ولكن لم يحدث ذلك بل مازال ينتظر الجميع يسوع المسيح
حتى معجزات المسيح لم تشابه معجزات بقية الأنبياء والسبب هنا ليس كما يقولون أن الاختلاف راجع لاختلاف الرسائل والشعوب المرسل لهم، لكن الاختلاف هو أن المسيح هو النبي الوحيد الذي شابه الله في صفاته وفي قدرته إلى درجة التطابق فكيف يعطي الله نبياً أياً كانت مكانته ورسالته هذا الامتياز أن يكون شريكًا له في صفاته و قدراته و قداسته بل أيضاً في محبته؟
وصل الصراع إلى ذروته بداخلي رغم أني لم أكن مسلما متزمتا بل كنت ملحدا في كثير من الوقت ولكن ما أصعب الدين في الشرق فهو موجود في الجينات وفي دمائنا وعظمنا - فلا يوجد أصعب من أن يغير الإنسان عقيدته التي ولد وتربى ونما فيها
كنت أفكر لو أن الحسنات تذهبن السيئات بحق فأنا أحتاج لعمر فوق عمري لكي أصنع حسنات تزيل وتمسح سيئاتي الكثيرة جداً، لذلك لا خلاص لي بالحسنات أو الأعمال الصالحة فمن يخلصني وينقذني من حياة الذنوب و العبث؟؟؟؟
من يخلصني إذن .. في هذه الفترة بدأ المسيح ينمو بداخلي بشكل لم ألاحظه وأخيراً لم أقوى على الصراع فصرخت إلى الله وقلت له عرفني الحقيقة من هو الدين الصحيح فالأديان السماوية تؤمن أنك واحد ولكن الاختلاف هو هل مازلت بعيداً عنا في السماء السابعة أم أنك تجسدت و صرت قريباً منا ومتحد بنا
قلت له لو كنت يا يسوع المسيح حقا إلهي ومخلصي فغير حياتي وحول هذا القلب الأسود لقلب أبيض من قلب يكره إلى قلب يحب، من قلب نجس و غير طاهر إلى قلب مليء بالقداسة و الطهارة و العفة
وبالفعل بدأت حياتي تتغير بشكل لم أكن أتخيله وبدأت السعادة تملأ كياني بلا مخدرات أو أي نوع من الخمور. وبالفعل بدأت حياتي تتغير فأصبحت لي أهداف واضحة ومبادئ واضحة ومعنى واضح لحياتي وإله مستعد أن اخسر من أجله كل شئ فهو وحده يكفيني. وأخيراً ابتهجت زوجتي لأنها رأت حصاد دموعها وصلواتها والآن أصبح بيتنا كنيسة و عروسا للمسيح وبدأت حياة الخدمة والمعجزات والاختبارات العظيمة ولكن لهذا حديث آخر لمجد يسوع المسيح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق