بحث مخصص

2007-09-27

أنا لا أنساك


في يوم الأحد 10/3/2002 وفي تمام الساعة الحادية عشر صباحا ، وصل القطار 980 إلى محطة المنيا قادما من القاهرة ، وأثناء توقفه على الرصيف ، فجأة انطفأت أنوار القطار ، ثم سمعنا أصواتاً صارخة من الذين على أرصفة المحطة تنبه ركاب القطار :
- أسرعوا ... انزلوا .... اهربوا ... القطار يحترق ... انزلوا .... الدخان يتصاعد من الجرار .
وأصيب كل الذين في القطار بالفزع والهلع ، وتدافعوا نحو الباب صارخين لينجوا بأنفسهم والرعب يملأ وجوههم ، فلم تكن قد مرت سوي أيام معدودة على حادثة قطار الصعيد الذي راح ضحيته المئات من الركاب الذين تفحمت جثثهم داخل العربات المحترقة في كارثة مروعة تناقلت صورها الصحف ووسائل الإعلام .
واندفعت السيدة التي تجلس في المقعد الذي أمامي هاربة ، صارخة ، مرتعبه ، والفزع يملأ وجهها من الشر المنتظر . وما أن خطت خطوات قليلة حتى صاح بها الرجل الذي يجلس بجانبها ، وهو يهم أيضا بالفرار :
- إلى أين تذهبين ؟!
أجابت السيدة :
- القطار يحترق ... لنهرب ...
رد عليها الرجل بلهجة موبخة معاتبة لا تخلو من التهكم :
- وهل تتركين طفلك ؟!
عزيزي ... لقد هربت السيدة لحياتها ونسيت أن تأخذ طفلها الرضيع في يدها ... هل تصدق هذا ؟! ... إنني أصدقه ، ليس فقط لأني كنت شاهد عيان كما حدث ، ولكن لأن كلمة الله تقول " هل تنسي المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها ؟ حتى هؤلاء ينسين ، وأنا لا أنساك . ( إش 49 : 15 ) .
نعم .... حتى هؤلاء ينسين والرب لا ينسانا ... ففي أحد مقاعد نفس العربة ـ العربة الثانية من القطار 980 ، كان أحد الإخوة المؤمنين يجلس مسترخيا ، يقرأ كتابا روحيا عن حياة الرسول بولس . وعندما انبعثت الصرخات خارج وداخل القطار ، ظل هذا الأخ هادئا واثقا مطمئنا رابط الجأش ولم يحرك ساكنا ، واستمر في قراءة كتابه ... وبعدما خلت العربة أو كادت من ركابها ، ضع الكتاب على المقعد الخالي بجواره ، ثم قام من مكانه ومشي بخطوات هادئة نحو باب العربة ينظر حول ثم يسأل الواقفين على الرصيف .
- ما الذي يحدث ؟
- الجرار يحترق وهم يحاولون إطفاءه وفصله عن القطار .
فإذا بالأخ يهز رأسه ثم يعود إلى مكانه في القطار . يعاود الجلوس باسترخاء في مقعده ... ويواصل قراءة كتابه .
وبعد ما تم استبدال الجرار ، وواصل القطار مسيره ، اقتربت من هذا الأخ المؤمن وسألته :
- من أين لك هذا ؟! ... من أين لك هذا الهدوء الواثق . والسلام والاطمئنان والثبات ورباطة الجأش وراحة البال ؟! ..... أجابني :
- صدقني : إنه في نفس اللحظة التي بدأت فيها صرخات التحذير والفزع ، وقبل أن يستولي الإزعاج على ، وقبل أن يملك القلق زمامي ، وقبل أن تتلفت عيني إلى هنا وهناك . قبل هذا كله ، سمعت صوتا يرن في أعماق نفسي وقلبي ، صوتا يخترق أعماق كياني ، قلبا وتفكيرا ، قائلا : " لا تخف لأني معك ، لا تتلفت لأني إلهك " ( إش 41 : 10 ) ، صوتا شجيا ، رقيقا ، عذبا . إنه " صوت حبيبي " ( نش 2 : 8 ) ، صوت راعي المحب الذي أستطيع أن أميزه عن صوت الغريب ( يو 10 : 4 و 5 ) . وفي صوته حزم قاطع لا مثيل له . فأية كلمة تخرج من فمه هي الكلمة النهائية والقول الفصل ولا يمكن أن ترد أو تراجع وكلمته بالنسبة لي " روحا وحياة " ( يو 6 : 36 ) ... لقد شعرت في الحال أنه قريب مني جدا . إنه يقف إلى جواري للحماية والحراسة وليضمن لي السلامة . وكان هذا كفيل بأن يمحو في الحال مخاوفي وكل الأفكار المقلقة ، ووجدت عزاء وطمأنا لقلبي الراجف ، بل وامتلأ قلبي بالسلام والفرح والثقة في " ربي وإلهي " الذي لم يسمح للانزعاج والقلق أن يسيطرا على فكري . لقد تعطر كياني كله بالشعور بأن الله القدير هو إلهي الذي معي . و " لا تخف " الخارجة من فمه
عملت عملها في نفسي وفي قلبي ، بل شعرت أن الأذرع الأبدية تحتضني .
عزيزي ... ما أرق قلب الرب وما أحن عواطفه !! كم هو قريب منا ليحمينا وهو يستطيع أن يمدنا بمعونة غير منتظرة في اللحظة التي نحتاج فيها إليه . إنه يسر بل ويلز له أن يكون معنا . إنه يحبنا لدرجة أنه لا يستطيع أن يتركنا لحظة واحدة . وما أحلي وما أجمل أن يستقر هذا الحق في قراره نفوسنا وهو أن الرب لا يتركنا ، لا لأنه يريد حمايتنا فقط ، بل لكي يتلذذ بنا . وأليس عجيبا أن الرب الذي " كله مشتهيات " ( نش 5 : 16 ) يتلذذ بنا أكثر مما نتلذذ نحن به ؟!
نعم ... قد تنسي الأم رضيعها ، أما الرب فلا ينسانا ، لأن لا يشغله شيء عنا . في وقت الألم هو معنا ، وفي وقت الخطر هو ملازمنا ، وعندما يحيط بنا الأعداء هو يدافع عنا ، وحتى في ساعة الموت لا يتركنا .
عزيزي ... هل تصلي معي هذه الصلاة .
" أيها الرب يسوع أعن ضعف إيماني . أفتح عيني فأراك أمامي في كل حين لأنك عن يميني فلا أتزعزع أعطني أن أراك متمشيا معي طفئا قوة نار الأتون المحمي سبعة أضعاف . هب لي أن أراك مرسلا ملاكك ليسد أفواه الأسود التي حولي . أعطني أن أراك وقد دفع إليك كل سلطان ، في السماء وعلى الأرض ، وأنك أنت بنفسك معي كل الأيام إلى انقضاء الدهر ، فأستطيع أن أسير في طريقي بقلب فرح مبتهج مملوء بالسلام والهدوء .

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers