بحث مخصص

2007-09-27

باب مغلق ، ونافذة مفتوحة



هذه قصة حية من قصص الايمان يرويها لنا الأصحاح الثانى من سفر يشوع .. والقصة عن رجلين أرسلهما يشوع بن نون لكى يتجسسا مدينة أريحا ..
ويشوع كما نعلم هو ذلك القائد الذى اختاره الله ليقود شعبه فى المعارك العظيمة لامتلاك أرض الموعد .. كنعان ..
أما أريحا فهى الموقعة الأولى والأهم .. إنها أقوى كل مدن كنعان ، ولقد عرفت بأسوارها المنيعة الشامخة ..
لقد أرسل إليها يشوع بهذين الرجلين ليتجسساها ، بغية أن يعودا إليه بتقرير واف عن استحكاماتها ، ومواطن القوة والضعف بها ..
لاشك كان لهما من الايمان بحماية الله ما جعلهما يطيعان يشوع ويذهبان إلى أريحا فى هذه المغامرة ..
ولكن الوحى لم يركز الحديث عن أيمانهما ، بل تحدث فى قصتهما عن إيمان امرأة .. تحدث الوحى لنا عن إيمانها ليعلمنا دروسا ثمينة ..
لقد قابلتهما امرأة ، وماذا ؟ لقد رحبت بهما وقبلتهما فى بيتها "بسلام " و "ترحاب " ..
سلام من امرأة فى مدينة الأعداء !!
نعم ، بل أغرب من هذا ، عندما نما خبر هذين الرجلين إلى علم ملك أريحا ، وأنهما دخلا إلى بيت هذه المرأة ، أسرعت وخبأتهما فوق سطح بيتها ووارتهما بين عيدان الكتان من أجل أن تنقذهما من الموت ..
لماذا فعلت كل هذا ؟
لماذا أقدمت على هذه المغامرة التى كانت من الممكن أن تؤدى بحياتها ؟ !
يقدم لنا الرسول بولس الاجابة فى كلمة واحدة إنه الايمان .. الايمان جعلها تغامر بحياتها من أجل هذين الرجلين .. يقول الرسول بولس " بالايمان راحاب الزانية .. قبلت الجاسوسين بسلام (بترحاب ) (1) " (عب 31:11) ..
والآن انظر معى ..
إن اسمها راحاب وهو يعنى "مكان متسع a board place " (2)
أما شهرتها فكانت "الزانية " ، فهكذا كانت تعرف بين أهلها وقاطنى مدينتها .
يالغنى نعمة الله !! كلمة "الايمان " العظيمة يصف بها الوحى امرأة عاهرة ، من مدينة هبط شعبها إلى أدنى مستوى فى الرذيلة ، لقد أطلق الوحى عليهم لقب "عصاة " (عب 31:11) ..
يالغنى النعمة !! واحدة من أسوأ النساء فى أسوأ مدينة ، ها هى تمتلك أعظم عطايا الله للانسان ، الايمان .. بل ويتخذها الوحى مثالا حيا لكى يحتذى به كل من يرغب فى أن يحيا مثلها بالايمان ..
يالغنى النعمة ، "التى تفاضلت جدا " (1تى 14:1) ، التى فاقت كل توقع !! نعمة تتسع لكل إنسان .. تريد أن تتعامل معه مهما كان ابتعاده وانغماسه فى الشرور ، ومهما بلغ تمرده السابق على الله ..
نعمة تتسع لكل شرير وفاجر ، ولكل نفس كنفس راحاب يزدرى بها المجتمع لاثمها الفاضح (لاحظ أن اسم راحاب يعنى مكانا متسعا) ..
نعمة غنية تتسع للجميع .. وبكل تأكيد لك أنت أيضا أيها القارئ ، هى تريد أن تعمل فى حياتك ، فهل تسمح لها ؟
أيها الحبيب
هل تعلم أن إلهك هو "إله كل نعمة " ( 1بط 10:5) ؟
هل تعلم كم يحبك ؟ هل فكرت من قبل فى هذا الأمر بعمق ؟ إننى أدعوك أن تفكر فيه الآن ..
هو يحبك .. يحبك بلا حدود .. يحبك برغم كل شئ .. يحبك برغم كل ما فعلت .. هو يحبك كل الحب .. أيا كانت شرورك .. أيا كانت نجاساتك .. ربما تكون قد صرت مثل راحاب معروفا بين الناس بخطاياك .. ثق .. ثق أن نعمته الغنية تتسع لك ، وهى تشاء أن تنشلك من المزبلة ، وأن ترفعك لتجلسك كل كرسى المجد (1صم 8:2) ..
هل تعلم أنه أعد مكانا خصيصا لك ، لراحتك الكاملة .. هناك فوق الجلجثة ، عند الصليب .. أعد لك هذا المكان ..
تعال ، تعال سريعا إلى هناك .. سترى الدم الثمين .. دم الرب يسوع ، ستراه يعلن لك كم أنت محبوب .. كم أنت محبوب بلا حدود !! لقد تحمل الرب يسوع بدلا منك كل عقاب أثامك ..
لقد مات لكى لا تموت أنت ..
لقد حمل أوجاعك وأحزانك ، ليريحك منها ويعطيك بدلا منها راحة وسلاما ..
تعال ، تعال إليه .. تعال ، ارتمى عند قدميه .. تعال ، لكى تبدأ حياة مختلفة .. لتذوق الحب الالهى العجيب ..
بكل تأكيد ، لن تكون كما كنت من قبل .. سيغيرك تماما .. تماما ..
إنها النعمة الغنية التى تتسع لك أنت أيضا كما اتسعت من قبل لراحاب الزانية ..
ولنتأمل الآن راحاب وأريحا
عندما قابلت راحاب الجاسوسين لم تراهما كرجلين أتيا ليتجسسا مدينتها أريحا ..
لقد نظرت إلى مجيئهما بعين أخرى ..
الايمان يعطيك هذه العين الأخرى التى ترى الأمور والأحداث على نحو يختلف عن رؤية الناس لها ..
لقد كان لراحاب الايمان الذى أعطاها هذه العين ، فلم تر الرجلين كجاسوسين قد أتيا ليعرفا المزيد من المعلومات عن شعبها بل رأتهما رسولين أرسلهما الله لكى ينقذاها ..
تأمل ماذا يقول الرسول يعقوب .. "راحاب الزانية .. قبلت الرسل " (يع 25:2) ..
انظر ، لم يقل الرسول يعقوب أنهما من الجواسيس بل من الرسل ، فهكذا رأتهما راحاب رسولين أرسلهما الله خصيصا من أجلها لينقذاها من قضائه العادل الآتى على مدينتها ..
طول أناة الله
لقد تأنى اله على هذه المدينة ، مديةى أريحا ، لكى تتوب زمنا طويلا جاوز الأربعمائة عاما (تك 13:15) ..
ثم أعطاها مهلة أخرى ، أربعين سنة بعد أن أخرج شعبه من مصر بيد قوية .. كان يريد لخبر هذا الخروج بما صاحبه من قضاء عادل على مصر أن يبلغ إليها .. كان يريده رسالة تحذيرية بالغة القوة يؤكد بها لأربعين عاما أن غضبه سيأتى ، سيأتى حتما عليها إن لم تتب ، كما سيأتى أيضا على أى شعب آخر يرفض التوبة ، ويستهين بلطفه وطول أناته (رو 4:2) ..
وقاد الله شعبه عابرا به نهر الأردن لكى يستخدمه فى إتمام قضائه العادل على هذه المدينة بسبب فجورها وإثمها ..
وصار الشعب على بعد كيلو مترات قليلة منها .. هذا يعنى أن وقت القضاء قد أتى ..
لكن يالغنى رحمة الله !! هل تصدق ؟ لقد أعطى المدينة فرصة أخرى جديدة .. لقد انتظر بشعبه إسبوعا لعلها تستيقظ من سباتها وترى الخطر المقبل عليها فتتوب كما تابت نينوى فتنجو مثلها من العقاب (يون 3) ..
إلا أنها لم تستيقظ ، وأضاعت أيضا هذه الفرصة الثمينة التى قدمها الله لها لتتب فتنجو من الهلاك الآتى عليها ..
وبلغ شعب الله إلى أسوارها ، وبدا وكأنه لم تعد هناك أية فرصة أخرى للنجاة .. وبدا أنه الوقت لاتمام القضاء الالهى الذى تأخر طويلا ..
والآن تأمل معى ما حدث ، لقد أعطاها الله فرصة أخرى جديدة !!
آه يالطول أناة الله المذهل ، يالحبه العجيب !! لقد أعطاها أسبوعا آخرا ، وفى هذا الأسبوع كان يرسل لها كل يوم إنذارا قويا .. نعم كل يوم ، فهذا هو الله وهذه هى محبته .. إنه يرغب أن تفيق المدينة من سباتها لتنجو من القضاء العادل الآتى عليها ..
لقد أمر شعبه أن يسير بكامله كل يوم من أيام هذا الأسبوع ، حول أسوارها .. وأن يسير وهو يضرب بالأبواق لكى يصل صوتها القوى إلى أذن كل شخص فى المدينة .. لقد أراد أن يصل صوته المحذر إلى كل شخص فى أريحا ..
كم يود الله دائما أن يتجنب إتمام عمله القضائى العادل فى مجازاة الخطاة العصاة الذين يرفضون حبه ورحمته ، لذا فقد أطلق الوحى على هذا العمل "فعله (أى فعل الله ) الغريب .. وعمله (عمل الله ) الغريب " (إش 21:28) ، فهو دائما يريد أن يتجنبه ، لذا كم يرسل من تحذيرات وكم يقدم من فرص !! إنه يفعل كل شئ ممكن لكى يتجنب إتمام قضائه العادل ..
آه "ليس مثل الله " (تث 26:33) لا يسر بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا (حز 11:33) ..
من أجل هذا سفك دم ابنه يسوع ، لكى يكون هذا الدم الثمين ملجأ لانقاذ كل خاطئ يرغب فى أن ينجو من الهلاك الأبدى ..
آه ، ما أعظم قلبك أيها الاله !! ما أعظم نعمتك الغنية !! ما أعظم طول أناتك العجيبة !! كم من فرص بلا عدد تقدمها للنفوس الآثمة كى تأتى إليك وتتمتع بغفرانك !!
أيها القارئ الحبيب
هل لازلت تحيا متمردا على الله ، مستسلما للخطية ؟ !
هل لازلت تحب الظلمة أكثر من النور ؟ ! هل لا زلت تطلب الراحة والأمان بعيدا عن أحضانه ، ولم تتمتع بعد بالدم الثمين الغافر والمطهر ؟ آه كم من فرص عديدة وثمينة يقدمها الله لك لكى تستيقظ من سباتك .. لكن ماذا لو ظللت ترفض إلى النهاية حب الله ونعمته المقدمة لك ولم تأت إليه لكى يغسلك من آثامك بالدم الثمين ؟ !
آه ، ما أخطر الأمر ، الرسول بولس يحذرك من أن تستهين بغنى لطف الله وإمهاله وطول أناته بعدم إنتهازك لفرص الرجوع التى يقدمها لك ..
يحذرك الرسول بولس بكلمات جادة قاطعة ، اسمعه معى وهو يقول " من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا فى يوم الغضب " رو 5:2) ، نعم الوحى يؤكد أن هناك غضب آتى (1تس 10:1) ..
أيها الحبيب ، تذكر مدينة أريحا .. لقد استهانت بالأمر ، أضاعت كل الفرص .. فماذا كانت النتيجة ؟ وأسفاه لقد أحرقت بالنار مع كل ما بها (يش 24:6) ..
أيها الحبيب ، تذكر أيضا راحاب .. ألم تكن من أشر نساء أريحا ؟! من كان يظن أنها ستنجو هى وأسرتها دون كل شعبها .. نعم ، بإمكانك أن تنجو مثلها .. لا تنس كلمات الرسول بولس "الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح ، الذى مات لأجلنا " (1تس 5: 9،10) .. لا تقل إننى أشر من أن ينظر الله إلى .. لا تقل إننى أسوأ من كل الذين أعرفهم ..
مرة أخرى أقول لك تذكر راحاب .. تذكر نجاتها ، لقد كان من الممكن أن تقول مثل هذه الكلمات لكنها فكرت بطريقة مختلفة .. لقد سمعت كما سمع أهل مدينتها بما فعله الله من آيات وعجائب مع شعبه ، فى خروجه من مصر وفى مسيرته فى البرية (يش 10:2)..
لقد سمعت كما سمعوا ، لكنها لم تفعل مثلهم ، لم تنصرف لشئونها الخاصة وكأن هذه الأخبار لا تعنيها .. لم تسقط كما سقط كثيرون فريسة لللامبالاة ..
لقد انشغلت بما سمعته .. أعطته اهتمام قلبها .. وهذا ما جعلها تختلف عن كل شعبها .. انشغالها بهذه الأخبار أتى بالايمان إلى قلبها .. فالرسول بولس يؤكد أن الايمان يأتى عن طريق سماعك للأخبار التى تذيعها كلمة الله (رو 17:10) ..
لقد آمنت أنه هو الاله الحقيقى ..
آمنت أنه يحرر من العبودية ، فقد سمعت أنه حرر شعبه من قيود المصريين .. آمنت أنه يهتم بخاصته فقد علمت أنه عال شعبه أربعين سنة ، لم تبل فيها ثيابهم ولا نعال أرجلهم (تث 5:29) .. آمنت أنه يعطى النصرة ، فقد عرفت أنه أعطى شعبه أن يرفع رايات الانتصار عاليا فى معاركه مع عماليق ومع الأموريين .. آمنت به ، فقررت أن تتعامل معه .. تحدثت إليه .. عرفته أكثر فى حديثها الخاص معه .. وجدته إلها حيا يختلف كلية عن آلهة شعبها الميتة ..
عرفت أن له قلبا .. قلبا عجيبا جدا ، غير عادى .. قلبا كله حب .. عرفت أنه يحبها هى حبا خاصا ، لم يحبها به أحد من قبل ..
اكتشفت أنه إله النعمة الغنية ، والرحمة الكثيرة .. تأكدت أنه يغفر ويصفح .. ينقذ وينجى .. تأملت نفسها ، وتأملته ..
نعم ، هى زانية ، وكم ارتكبت من شرور .. لكنه هو " حنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة " (مز 8:145) ..
الأمر ليس كم هى سيئة ، بل كم هو عظيم فى حبه ورحمته وغفرانه .. وثقت كل الثقة ، أنه لا يمكن أن يتركها تهلك ..
فهمت أنه ليس كثيرا عليه أن يرسل لانقاذها ، وهى العاهرة المدنس ، رجلين من شعبه ، يغامران بحياتهما من أجلها ..
عرفت أن حبه أقوى من إثمها ..
وأن نعمته أعظم من ماضيها ..
تأمل راحاب ..
لقد سمعت عن عمل الله العجيب فى تحرير شعبه من أرض مصر (العبودية ) ..
وانشغلت بما سمعته ..
وهذا الانشغال أتى بالايمان إلى قلبها ..
والايمان جعلها تتوقع عملا من الله معها هى شخصيا .. عملا لتحريرها ..
أيها الحبيب ، بإمكانك أن تكون مثل راحاب .. أيا كانت قيودك أو مشاكلك فبإمكانك :
أن تستمع إلى قصص تحرير الله للنفوس المقيدة ، وإلى قصص إنقاذه للنفوس التى فى خطر .. سواء كانت هذه القصص من التى سجلها الوحى فى الكتاب المقدس أو من التى تثق فى حدوثها مع من تعرفهم ..
اقض وقتا فى التأمل والانشغال بهذه القصص ..
هذا الانشغال سيزيد من إيمانك فى أن الله يرغب فى تحريرك وإنقاذك ..
وستجد نفسك مثل راحاب تتوقع بثقة عملا من الله معك ..
توقعت راحاب أن يصنع الله معها عملا إنقاذيا عجيبا .. لذا ، عندما تقابلت مع هذين الرجلين ، لم تراهما جاسوسين أتيا ليتجسسا مدينتها .. بل رسولين أتيا خصيصا إليها .. رسولين أرسلهما الاله الذى أحبته لينقذاها من الهلاك الآتى على شعبها .. يقول الرسول يعقوب "راحاب الزانية .. قبلت الرسل " (يع 25:2) ..
آه ، كم كان حقا عظيم إيمانها .. إن سفر يشوع الذى روى لنا هذه القصة هو سفر انتصارات الايمان .. أننى أدعوك أن تتمتع بقراءة هذا السفر الشيق .. وهو يصف لك انتصارات الايمان فى معارك يشوع مع شعوب أرض الموعد ..
وتمتع أكثر بقراءة قصة راحاب لأن لايمانها لونا مميزا ، فهو نوع الايمان الذى تنتصر به على يأسك من نفسك .. إنه الايمان الذى يصعد بك من طين الحمأة ليقيمك على الصخرة (مز 2:40) ، الايمان بإله كل نعمة الذى "يرفع الفقير من المزبلة ليجلسه مع الشرفاء ويملكهم كرسى المجد " (1صم 8:2 ، مز 7:113) ..
آه ، كم عظيم جدا إيمانها !! لهذا لم يكتف الوحى بالحديث عنه فى سفر الانتصارات ، سفر يشوع .. بل تحدث عنه أيضا فى موضعين من العهد الجديد ..
أولا : فى رسالة القديس بولس إلى العبرانيين
فى الأصحاح الذهبى الذى يتحدث عن الايمان ( عب 11) ، يسرد لنا الرسول بولس أمثلة عديدة لمؤمنين فى العهد القديم كان لهم الايمان الذى أتى بقوة الله إلى حياتهم .. لكنه لا يذكر من الأمثلة النسائية بالاسم سوى اثنتين .. راحاب موضوع حديثنا وسارة زوجة إبراهيم ..
تأمل ، الوحى يضعها جنبا إلى جنب مع سارة .. يالمجد النعمة الغنية ، لقد رفعت راحاب الزانية التى من أريحا المدينة الآثمة جدا إلى مستوى سارة التى هى رمز فى العهد الجديد لأورشليم العليا (غلا 26:4) ، والتى أنجبت لابراهيم ابن الموعد إسحق ..
ثانيا : فى رسالة القديس يعقوب
فى الأصحاح الثانى من هذه الرسالة اختار لنا الوحى مثالين فقط للايمان الحى العامل .. الأول هو إبراهيم ، فهو بلا نزاع كما يقول الوحى عنه أب جميع الذين يؤمنون (رو 11:4) ..
والآن إلى من يشير المثال الثانى ؟ .. ليس موسى أو يشوع أو جدعون أو صموئيل أو دانيال .. بل راحاب !!
تأمل معى كيف عرض الوحى فى رسالة يعقوب إيمان راحاب .. لقد قدم لنا أولا إيمان إبراهيم ، الايمان الذى أعطاه القدرة أن يضع ابنه اسحق على المذبح .. لقد وثق إبراهيم أن الله الذى أمره أن يفعل هذا هو قادر أن يقيم ابنه من الموت (عب 19:11) ..
لاشك فى أن هذا الايمان غير عادى .. لكن انظر معى كيف ربط الوحى بين إيمان إبراهيم وإيمان راحاب ، فبعد أن ذكر ما فعله إبراهيم أكمل قائلا :
"كذلك راحاب الزانية .. " (يع 25:2) .. إن كلمة كذلك فى الأصل اليونانى هى كلمة تعنى حرفيا فى ذات الطريق وعلى نفس المستوى (3) .. لقد اعتبر الوحى ما فعلته راحاب بالايمان ، أنه فى ذات الطريق وعلى نفس مستوى ما فعله إبراهيم عندما وضع ابنه إسحق على المذبح ..
انظر أيضا كيف يشير الوحى إلى راحاب هنا ذاكرا لقبها القديم " الزانية " .. ماالذى يقصده الوحى بذلك ؟
آه أيها القارئ ، مهما كنت بعيدا .. مهما كان ماضى حياتك مؤلما مليئا بالخزى .. ها راحاب الزانية تشجعك جدا جدا ..
آه لو فعلت مثلها ووثقت كما وثقت هى .. آه لو فتحت قلبك له ، وتجاوبت مع نعمته .. لارتفع إيمانك ، ولظل يرتفع يوما فيوما ، إلى مستوى إيمان إبراهيم ..
إيها القارئ ..
هل تبدأ من الآن فى النظر إلى رئيس (مصدر ) الايمان ومكمله الرب يسوع (عب 2:12) ؟ هل تبدأ من الآن فى أن تتصرف فى حياتك اليومية مستندا على وعود الله التى فى الكتاب ؟
نعم سينمو إيمانك ، فالرب يريد لايمانك أن ينمو .. إنه يريدك رجلا شامخا فى الايمان ، لكى يتمجد فيك ..
آه ، كم تشجعنا راحاب جدا .. امرأة عاشت زانية لفترة طويلة من الزمن تقف جنبا إلى جنب مع إبراهيم إب جميع المؤمنين ، بل وتصير مثمرة مثله .. هو صار أبا للشعب .. لشعب الله .. وهى ، ألم تصر أما فى هذا الشعب ، فمن نسلها أتى داود الملك ثم الرب يسوع بالجسد ، ملك الملوك ورب الأرباب ..
إيمان حى
ولم يكن إيمانها إيمانا ميتا .. لم يكن مجرد معرفة عن الله وشعبه ملأت بها ذهنا .. الايمان الذى لا يجعلك تقف تجاه الخطية ، وتحارب روح الاثم .. الايمان الذى لا يؤثر فى طريقة تعاملك مع الأمور ، هو إيمان ميت ، لا قيمة له .. لم يكن إيمان راحاب إيمانا ميتا .. بل كان حيا .. الايمان الحى هو الايمان الذى يدفعك لكى تنطلق مرتكزا على وعود الله ، معتمدا على صدقها ، حتى ولو بدا أن تصديقها يتطلب حدوث المعجزات ..
والايمان الحى دائما ينمو .. وكلما تحرك الانسان بمواقف عملية بحسب قدر الايمان الذى فى داخل قلبه ، كلما شجعه الله وأعطى لايمانه أن يرتفع .. وهكذا ينمو من إيمان إلى إيمان مثلما ينمو القمح " أولا نباتا ثم سنبلا ثم قمحا ملآن فى السنبل " (مر 28:4) ..
لقد كان لراحاب هذا الايمان الحى ، فكيف تحركت مدفوعة به ؟
أولا : لقد تحدثت بلغة الايمان ..
تأمل معى كلماتها إلى الرجلين الذين أتيا ليتجسسا مدينتها .. لقد قالت لهما "علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض " (يش 9:2) ..
لاحظ أنها لم تقل أن الرب سيعطيكم ، بل استخدمت زمن الماضى أعطاكم ، مما يؤكد ثقتها بأن وعود الله لشعبه ستتم حتما مهما كان ارتفاع الأسوار المنيعة وقوة الجيوش المقاومة ..
ثانيا : لقد قبلت مغامرة الايمان ..
كثيرا ما تبدو حياة الايمان مغامرة ، لكنها دائما مغامرة رابحة وليست خاسرة إطلاقا ، فالله يمجد دائما حياة الايمان ..
عندما بلغ إلى مسامع راحاب أن الملك قد علم أن الجاسوسين قد دخلا منزلها ، لم تتخل عنهما فالايمان الحى دائما يرتبط بالمحبة ويعمل بها ، لذا يسميه الرسول بولس "الايمان العامل بالمحبة " (غل 6:5) .. والمحبة التى تعلمها لنا كلمة الله ليست هى فقط محبة المشاعر والكلمات اللطيفة المتبادلة .. إنها أعمق بكثير .. أن تنفق وتنفق بلا حساب .. أن تتبع الرب يسوع فى طريق البذل الذى بلا حدود ..
يقول القديس يعقوب أنها أخرجتها فى طريق آخر .. قبلت راحاب مغامرة الايمان .. وضعت فى قلبها أن تهرب هذين الرجلين رغم كل ما يعنيه هذا الفعل ، فلو علم أحد من شعبها لقتلت فى الحال ..
لكن هذا هو الايمان الحى ، الايمان العامل بالمحبة .. الايمان الذى يأتى بمجد وقوة الله إلى حياتنا لقد غامرت راحاب وأخرجت الرجلين فى طريق آخر .. كان بيتها جزءا من سور المدينة ففتحت نافذتها التى تطل على الفضاء الخارجى ، ثم أنزلتهما منه مستخدمة أحد الحبال .. لكن قبل أن يهبطا بالحبل وينطلقا عائدين قالا لها :
"اربطى هذا الحبل من خيوط القرمز فى الكوة (أى النافذة ) التى أنزلتنا منها ، واجمعى إليك فى البيت أباك وأمك وإخوتك وسائر بيت أبيك ، فيكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج فدمه على رأسه .. أما كل من يكون معك فى البيت فدمه على رأسنا (أى سنعطيه الحمياية والأمان ) " (يش 18:2 ، 19) ..
وأتى شعب الله لينفذ قضاء الله العادل على هذه المدينة الآثمة ، وسار حول أسوارها ثلاث عشرة دورة .. ومع انتهاء آخر دورة فى اليوم السابع انتهت أخيرا كل فرص التوبة التى قدمها الله لهذه المدينة .. فهتف الشعب هتافا عظيما ، فسقط سور المدينة فى مكانه وبدأ الشعب فى إتمام قضاء الله على سكانها ، وأشعلوا النار بها ..
لكن راحاب لم تمت مع أن بيتها كان بالسور المنهدم ، فالايمان يحمى وينجى .. يقول الرسول بولس "بالايمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة " (عب 31:11)..
ثالثا : وامتد إيمانها لينجى أسرتها ..
تأمل أيضا ، الايمان لم يحم وينج راحاب فقط ، بل أنقذ أهلها أيضا .. أباها وأمها وإخوتها وأخواتها ..
الايمان جعلها تتشفع فيهم لدى الرجلين "تستحييا أبى وأمى وأخوتى ,اخواتى وكل ما لهم وتخلصا أنفسنا من الموت " (يش 13:2) ..
الايمان أيضا جعل كلماتها لأهلها مؤثرة ، فصدقوا ما قالته فآمنوا مثلها وأطاعوا كلام الرجلين لها .. لم يغادروا بيتها رغم رؤيتهم للسور الذى به البيت يتهاوى من حولهم .. لم يهربوا للنجاة .. وثقوا أن النجاة هى فى الطاعة .. أطاعوا وظلوا فى البيت ..
يالمجد الايمان ، يالأمانة الله ، لقد سقط كل السور ماعدا هذا الجزء .. لقد أنقذت راحاب ، هى وكل بيتها ..
آه أيها الرب ، متعنى بهذا الايمان الذى يأتى بالبركات إلى الآخرين ..
أبواب ونافذة
كان لبيت راحاب الذى بسور المدينة الدائرى ، أبواب ونافذة .. لقد أشار إليهما الوحى وهو يسر لنا قصة نجاتها (يش 2).. إن كلا منهما له مغزى روحى عميق ..
الأبواب تقودك من بيت راحاب الذى بالسور إلى داخل مدينتها الآثمة ، أما النافذة فتطل بك على الفضاء الواسع ، حيث كانت أنظار راحاب تتجه مترقبة وصول شعب الله .. تترقب بثقة أنه آت بكل تأكيد لانقاذها .. لقد علقت بالنافذة الحبل القرمزى كما أوصاها الرجلين قبل أن يرحلا .. والآن ما هى المعانى الروحية التى تختبئ وراء الباب والنافذة وتتحدث إلينا ، وتلمس أعماقنا ؟
الأبواب مغلقة
لقد أغلقت راحاب أبواب بيتها الذى يؤدى بها إلى شعبها .. لم تنس قط آخر كلمات تفوه بها الرجلان إليها "كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج فدمه على رأسه (أى لن ينال النجاة ) " (يش 19:2) ..
لقد أغلقت الأبواب .. لقد أغلقت الطريق إلى عالمها القديم .. أغلقته لتعلن أنها لم تعد تنتسب إلى هذا العالم .. لم تعد تنتسب للمدينة التى ستحرق بنار غضب الله .. لقد أغلقت أيضا الباب أمام حياتها السابقة .. لن تعاقب على زناها ..
لن تستمر فى زناها .. ستأخذ من الله قوة تجاهد بها .. لتنتصر ، وسيعظم انتصارها ..
النافذة مفتوحة
أغلقت راحاب الأبواب ، وفتحت النافذة لتترقب مجئ الشعب واثقة أنه آت بكل تأكيد لانقاذها .. ولتتأمل ، لقد استخدمت هذا الحبل القرمزى لانزال الرجلين من الشرفة ليهربا إلى خارج المدينة .. وماذا يعنى هذا ؟ ّ
الحبل يتحدث عن الارتباط .. الحبل رباط يصل بين اثنين ، كل منهما يمسك بأحد طرفيه .. لقد ربط هذا الحبل القرمزى بين يدى راحاب وأيدى الرجلين حينما استخدمته لتهريبهما .. لقد ربط بيها وبينهما .. إنها الآن مرتبطة بهما ، بوعدهما لها بالنجاة .. كما أنها الآن صارت مرتبطة بشعبهما ، شعب الله .. مصيرها مرتبط بمصيرهم ، فإلههم قد صار إلهها .. وإلى ماذا يشير القرمز ؟
القرمز لونه لون الدم .. إنه يشير إلى الدم .. إنها الآن مرتبطة بهذا الشعب الجديد الذى تميزه دماء الذبائح المسفوكة فى كل يوم .. الشعب الذى يرتبط بإلهه بعهد الدم ، الدم الذى يغطى خطاياه ، ويحجب عنه اللعنات..
وإلى ماذا يشير كل هذا فى العهد الجديد ؟
حبل القرمز كما يقول القديس اكليمنضس الرومانى ( من آباء أواخر القرن الأول ) يشير إلى دم الرب يسوع الثمين ، الدم الذى يفدى (4) .. إن حبل القرمز يشير إلى ارتباطنا مع الله .. ارتباطنا المؤسس على سفك الدم الثمين ، سفك دم الرب يسوع ..
إن دم الرب يسوع هو الذى يربطنى بالله بعهد أبدى .. هو الذى يربطنى بوعوده ، بكل وعوده .. الغفران والحرية والشفاء ، وكل امتيازات أولاد الله الثمينة ..
اغلق الباب وافتح النافذة
أيها الحبيب دعنى أتحدث إليك .. هيا ، اغلق الباب كما أغلقت راحاب أبوابها .. هيا ، اغلق الباب أمام حياتك القديمة .. اغلقه أمام استهتارك ولا مبالاتك .. اغلقه أمام حياتك التى بلا أمان .. اغلق الباب أمام الخوف كما أغلقته راحاب ، ولم تعد تخاف من شعبها القديم ، فتصرفت بشجاعة فائقة ، وخبأت الرجلين ..
هيا افتح النافذة
افتحها لتنظر حبل القرمز والسماء وآفاق المجد .. افتحها لتنظر دم الحمل الثمين .. دم الملك .. اغلق الباب لتقول إننى لست لأريحا .. لست للعالم .. وافتح النافذة لتقول أنا لمن فدانى بالدم .. أنا لمن حمل دينونتى .. لمن مات عنى .. أنا ، أنا للرب .. اغلق الباب أمام الهموم والمخاوف .. اغلق الباب أمام اليأس وصغر النفس وعقد الذنب ..
هيا أوصد الباب بقوة أمام إبليس .. وافتح النافذة لترى الدم .. لتعظم الدم ..
الدم يتكلم
نعم يتكلم فى السماء ، أمام العرش .. يقول أن لك غفرانا .. أن لك فداء .. أن لك راحة وحرية وشفاء ..
الدم يقول لك إنك لست لابليس أو للعالم أو حتىلنفسك حتى تحيا قلقا مهموما ، تعانى وتعانى ..
الدم يقول إنك للسماء .. للمجد ، للفرح والابتهاج ..
الدم يعلن أن الرب قد سدد كل ديونك .. أنه قد عوقب بدلا منك ..
الدم يعلن أنك للرب .. لتحيا حياة المجد .. لتنطلق من مجد إلى مجد ..
الدم يتحدث إليك بقوة غير عادية .. يقول لك أن الرب قد صار لعنة لأجلك لكى لا تأتى عليك أية لعنة بسبب خطاياك أو خطايا آبائك وأجدادك ..
الدم يعلن أنك للرب .. معه فى عهد ، فى رباط ، لذا فأنت مثل راحاب لك نجاة وثمر .. هيا اغلق الباب لكى لا ترى الموت .. وافتح النافذة لتتمتع بالحياة .. الرب يسوع هو الحياة ..
أيها القارئ
هل تعانى الآن من القلق أو الخوف بسبب أحداث تقع أو يتوقع الناس حدوثها .. هيا اغلق الباب أمام ما تراه بعينيك ، وما تسمعه بأذنيك من أخبار مزعجة ، تنزع السلام والطمأنينة من داخلك .. هيا اغلق الباب بإحكام أمام كل ما هو مخيف أو مقلق .. هيا افتح النافذة أمام وعود الله العظيمة التى تعلن أن الله يدافع عنك وأنه يعنتى بك ، ويحول كل لعنة إلى بركة ..
هيا افتح النافذة .. دم المسيح الثمين يضمن لك تحقيق كل هذه الوعود .. الدم يعلن أن ثمن تحقيق هذه الوعود قد دفع بالكامل فوق الجلجثة .. هيا اغلق الباب أمام العيان الذى يحاربك به إبليس .. هيا افتح النافذة أمام كلمات الله ، لتصدقها بكل قلبك .. اغلق باب الشك .. ولتفتح نافذة الايمان .. تطلع إلى كوكب الصبح المنير ، يسوع .. سيطلع فى قلبك (2بط 19:1) ، بحب عجيب وإيمان راسخ .. تطلع إليه ، هو "رئيس (مصدر ) الايمان ومكمله " (عب 2:12) ..
افتح له النافذة على مصراعيها .. انظرإليه .. تمتع بحلاوة حضوره .. كم هو رائع ، رائع جدا .. اقض الكثير من الوقت معه .. اقرأ كلمته المشبعة فى الكتاب المقدس .. استمتع بالاصغاء إليه .. دع قلبك يتلامس مع وعوده المشجعة ..
أيها الحبيب ، ثق أن الكلمة ستخلق إيمانا بصدقها داخل قلبك .. والرب هو مكمل الايمان .. سيكمل إيمانك ..
عش بالايمان .. أسلك بالايمان .. لن يتخلى عنك قط .. ستراه يعمل بك العجائب .. سيعطيك قوته .. ستهزم الظلال والشكوك .. وستتمتع بالحقائق ، حقائق الله ..
سيعلو إيمانك من إيمان إلى إيمان أعظم .. وستتوالى انتصاراتك .. من مجد إلى مجد ..
مرة أخرى أقول لك : هيا ، اغلق الباب وافتح النافذة ..
ثق أن إلهك يعفو فينجى ..

ليست هناك تعليقات:

 

website traffic counters
Dell Computers